الخضوع ، أو الخضوع مطلقا على ما سبق ، وهو مقام المؤمنين المخلصين لا المخالفين ظواهرهم لبواطنهم ، فانّهم خارجون عن تحت الخضوع بقدر ما يصدر منهم من ذلك ؛ إذ ليس هذا من شؤون الخضوع والعبوديّة والطاعة ، بل من شأن أنانيّة النفس واستعلائها ، وطلبها الجاه والكبرياء ، بل كلّ غصن من أغصان النفاق بالمعنى المتقدّم تجاوز عن الحدّ وكفر ، وتجاوز فيه على بعض الوجوه المتقدم إليها الاشارة ، بل لا يبعد أن يندرج كلّ ما خرج عن الايمان وأغصانه وشؤونه تحت الطغيان لكونه تجاوزا عن الحدّ الّذي هو العبوديّة المطلقة ، كما يظهر من تطبيق صفات نفسه مع صفات ربّه ، وسائر الوجوه المتقدّم إليها الاشارة في شرح كلمة الجلالة.
ثمّ إنّهم في ذلك عامهون متحيّرون متردّدون لانسلاب نور المعرفة واليقين منهم ، واستيلاء الظلمة الموجبة لذلك عليهم ، سالكون أرضا عمهاء لا أعلام لها ، وذهبت إبل نفوسهم العمهى ؛ إذ لا يدرون أين ذهبت ، بل إذا أخرجوا أيديهم لم يكديروها ، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور (١). وأصل ذلك كلّه هو حالة الطغيان ، كما أنّ أصل حالة البصيرة والسكينة والثبات هو العبوديّة على ما ظهر ويظهر لك ـ إن شاء الله سبحانه ـ.
ثمّ إنّ لأنواع من الطغيان بالمعنى الاعمّ خصوصيّة في تحقّق العمى في القلب ؛ كالكبر والعجب والفخر وأمثالها ، فانّها توجب أحوالا مضادّة للهداية والبصيرة ، بل تمنع البصيرة عن الادراك ، وهي العمدة في أسباب النّفاق بالمعنى المتقدّم.
ثمّ إنّ مدّهم في طغيانهم وهم يعمهون نوع من الاستهزاء بالمعنى المتقدّم
__________________
(١) إشارة إلى قوله تعالى في سورة النور ، آية ٤٠ ، وهو : «... إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ.»