ومنها : أن لا يخاف من يستحقّ الخوف منه ؛ كحالة التهوّر وملكتها المقابلة للجبن والشجاعة ، وكحال من يعتقد بربّه أو يظنّ به أو يشكّ فيه على ما قرع سمعه من صفات القهر والانتقام والجلال والكبرياء ، وهو لا يخاف منه خوفه من الشكّ في طروق السارق عليه ليلا لأخذ أمواله منه ، كما إذا سمع حسّا وشكّ أو ظنّ ليلا أنّه سارق لا يقوى على مقاومته. فانّ مقتضى سلامة القلب وبقائه على الفطرة الصحيحة أن يكون خوف ذلك المسلم من ربّه أكثر من هذا الخوف بدرجات كثيرة بل غير متناهية ، كما يظهر وجهه من ملاحظة جهات الخوف في المقامين ، والحال أنّه ليس فيه خوف صادقا أصلا. ومثاله في الحالات الظاهرة السكران في بعض حالاته الّتي يشتدّ له التهوّر بحيث يقدم على المهالك من دون خوف ودهشة على ما ينقل عنهم ، وبعض أقسام الجنون السبعيّ الّذي يعرض لصاحبه سبعيّة وجرأة يقدم بسببها على المهالك والمضرّات ولا يتجنّبها.
ومنها : أن لا يرجو من يستحق رجائه من المنعم الحقيقي الّذي اتّصلت نعمه عليه وعلى سائر عباده ، وملأ عالم الكون من نعمه وإحسانه ، فمن ليس فيه حقيقة الرجاء له فقلبه مريض. ومثاله في الظاهر : المبهوت والحيران الّذي كلّما يعرض عليه الانعام والاحسان ، ودفع الآلام والاسقام لا يحصل فيه طلب ورجاء أصلا. مع أنّ البهائم المعلوفة ترجو من يواظب على علفها ، ويعطيها شعيرها إذا شاهدته ظهرت فيها آثار الرجاء. ونحن لم نفقد حسن صنيع ربّنا ونعمه المتواترة الواردة علينا مدّة أعمارنا الّتي عمرناها ، بل لم نفقدها في آن من الآنات وحين من الاحيان ، وأخذنا مدّة العمر من مائدة إنعامه مأكولنا ومشروبنا وملبوسنا ، ومع ذلك لا يظهر فينا رجاء صادق لربّنا ، فالقلوب كما قال أمير المؤمنين عليهالسلام على ما ببالي روايته : «قاسية عن حظّها ، لاهية عن رشدها ، سالكة في غير مضمارها» (١).
__________________
(١) نهج البلاغة ، خ ٨٣ ، ص ١١١.