«يعني : في الآخرة العذاب المعدّ للكافرين ، وفي الدنيا أيضا لمن يريد أن يستصلحه بما ينزل به من عذاب الاستصلاح لينبّهه على طاعته (١) ، أو من عذاب الاصطلام ليصيره إلى عدله وحكمته.» (٢)
وفسّر الاصطلام بالاستيصال ، وهو يرشد إلى عدم انحصار الآية بمن يمتنع عليه الرجوع ، ولشموله لمن يمكن منه الايمان. ولا ينافي ذلك الحكم باستواء الانذار وعدمه ؛ لأنّ عدم تأثير إنذار أمر غير تأثير عذاب الاستصلاح ؛ إذ ربّ شخص لا يمكن اتّعاظه بالموعظة والالطاف المقرّبة ، ولكن بالعذاب يستصلح ، إمّا بتبديل العذاب حالته الباطنية ابتداء ، أو لقوّة استيلاء العذاب عليه بحيث لا يبقى لقلبه مجال للإباء. ومثاله في مقام تأديب الاطفال والعصاة ظاهر لا يخفى.
وأمّا وقوع ذلك تنبيها من الله سبحانه له وإتماما للحجّة وإن لم ينتفع به ، فهو بعيد عن مساق الكلام حيث ذكر فيه إرادة الاستصلاح بما ينزل به.
والعذاب على ما في الصحاح هو : «العقوبة».
وذكر جماعة (٣) أنّه : «كالنكال بناء ومعنى ؛ لأنك تقول : أعذب عن الشيء إذا أمسك عنه ، كما تقول : تكل عنه. ومنه «العذب» لأنه يقمع العطش ، ويردعه بخلاف الملح ، فانه يزيده ، ثمّ اتّسع فيه فسمّي كلّ ألم قادح عذابا وإن لم يكن نكالا ؛ أي : عقابا ، يرتدع به الجاني عن المعاودة» وأيّد وجه المناسبة المذكورة في العذب ب «تسميتهم إيّاه نقاخا ، لأنه ينقخ العطش أي : يكسره ، وفراتا لانّه يرفته على القلب.» وذكر في معنى التنكير هنا وفي غشاوة : «أنّ على أبصارهم
__________________
(١) خ. ل : «لينبهه لطاعته».
(٢) راجع المصادر المذكورة فى تعليقة ٢ ص ٤٤٤.
(٣) راجع الكشاف ، ج ١ ، ص ٢٩ ؛ وأنوار التنزيل ، ص ١٣.