الكافر ، لكن لمّا كان الله سبحانه هو الذي أقدره عليه ومكّنه أسند إليه الختم ، كما يسند الفعل إلى المسبب في قولهم : «بنى الامير المدينة» و «ناقة حلوب».
ووجه رابع ، وهو أنهم لمّا كانوا على البتّ والقطع ممّن لا يؤمن ولا تنفع الآيات فيهم ولا يجدي فيهم الالطاف المقربة والمحصلة إن اعطوها ، لم يبق طريق إلى إيمانهم إلا القسر والالجاء ، فاذا لم يقسرهم والحال هذه لمنافاته الغرض من التكليف عبّر عن ذلك الترك ب «الختم» إشعارا بأنهم على صفة لا طريق إلى ردعهم إلا الالجاء ، وهي الغاية القصوى في وصف لجاجهم في الغيّ ، واستشرائهم في الضلال والبغي.
ووجه خامس ، وهو أن يكون حكاية لما كانت الكفرة يقولونه تهكّما بهم من قولهم (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ)(١).
هذا غاية ما أمكنه من الجواب عن الاشكال المورد في الآية بملاحظة قواعد العدل. ولعلّه هو أقصى ما يمكن من الوجوه الظاهريّة مع عدم خلوّ بعضها من التكلّف والخروج عن الظاهر.
والذي يقتضيه النظر الدقيق هو ما دلّت عليه الرواية السابقة من أن الختم والطبع إنّما وجد جزاء لكفرهم وعصيانهم ، وهو سمة يعرفها كلّ من له عين ، يبصرها أنّ صاحبه لا يؤمن استدلالا بالملزوم على اللازم ، فيوافقه التفسير الآخر. ولعلّه المراد من مشاهدة أمير المؤمنين عليهالسلام الختم على هؤلاء المنافقين ، فانّ ذلك الختم والغشاوة تدركان بالنظر الباطني والنور المشرق عن عالم النبوة والولاية. فينطبق التفاسير كلّها على ظاهر الآية ونظائرها من أخبار وآيات عديدة ممّا مرّ ذكرها هنا وغيرها ؛ كقوله سبحانه :
__________________
(١) فصلت / ٥.