سترا عن الايمان حيث لم يعمل بمقتضاه.
وأما كفر البرائة ، فلان البرائة تقتضي إعراضا وإدبارا من المتبري عن المتبرّئ عنه ، وهو في معنى ستره أو التستر عنه ؛ إذ لم يتوجه بقلبه إليه ، بل نفر عنه وأدبر والقلب مع محبوبه ، والمرء مع من أحب معنى وإن لم يكن معه مجتمعا في الصورة.
وحينئذ فيشبه أن يكون الكافر المقابل للمؤمن هو من يكون ساترا للحق ، أو متسترا عنه لكونه شاكّا أو جاحدا له لا يقبله ، بل يعاند ويدفعه باطنا أو ظاهرا أو معتقدا خلافه بالجهل المركب ، فان الشاك والجاهل المركب غائبان عن الامر المشكوك فيه ، مستوران عنه ، كما أنّ المؤمن بالشيء كالمشاهد له الحاضر عنده والجاحد ساتر للحقّ الّذي يجحده عن قلبه أو ظاهره ، أو عن أعين المخالطين له ؛ إذ ربما يصحّ أن يقال : إنّ الستر والانكشاف في الحق سبحانه لما لم يمكن من جهة ظهوره وخفائه في نفسه ، بل من حيث ظهوره على القلب واستتاره عنه ، فالمؤمن قد ظهر الحق لقلبه وقبله ، والكافر ساتر له عن قلبه بشكّه أو جهله المركب ، أو بجحوده وإبائه وعناده. أو يقال : إن الحق سبحانه لمّا كان ظاهرا بأدلّته وآياته وبيناته بحيث يظهر لكل من لم يكن متسترا عنه بساتر ، ومحتجبا عنه بحجاب صوري أو معنوي ، كان الكافر الشاك ، أو الجاحد ، أو المعتقد خلافه هو المتستر عن الحق بشكّه ، أو سبب شكّه وخطائه من عصبية أو تقليد أو هوى أو غير ذلك ، أو بجحوده وعناده ، فكأنه يدفع ظهور الحق له بستره. أو يقال : إن من شأن القلب الانساني أن يكون مصدقا للحق عند سلامته ابتداء ، أو بعد قرع سمعه بالادلة المنصوبة عليه ، أو ورودها عليه من سائر طرق الادراك. فمن لم يحصل في قلبه العلم إنما منعه عنه مانع هو حجاب وستر بينه وبين الحق. وكذا من شأنه قبول الحق عند وروده عليه ، فالجاحد يجحد لتحقق مانع حجبه عن التسليم