ولعلّ الوجه في كونه شفاء من الامراض ما ذكر فيه من أسماء الله سبحانه المحيطة بعالم الدنيا والآخرة ، مع الاستعانة باسمه سبحانه ، والحمد له ، وحصر العبادة والاستعانة به سبحانه ، وطلبه الهداية إلى الصراط المستقيم ، مع تذكّره لأهله الّذي هم أصل الخير وفرعه ومعدنه من حيث كونهم منعما عليهم ، والتحرّز عن صراط مخالفيهم الّذين هم أصل الشرّ وفرعه.
ففي ذكر أسماء الله سبحانه مع الاستعانة استمداد على المقصود ، وفتح لمفاتح الغيب ، وفي الحمد الكامل استيجاب للمزيد من النعم ، وقد كان قصد القارئ خصوص زيادة نعمة الشفاء على سائر النعم ، فينبغي حصوله.
وحصر العبادة إقرار بالعبوديّة الّتي هي معدن الخيرات ، والاستعانة المطلقة شاملة للمهمّ المفروض ، والطلب والدعاء سبب الاجابة ، وطلب الهداية موجب لحصولها ، وحصولها بمنزلة الاصل فيما يقرب إلى مبدء الخيرات. والصراط مؤدّي إلى النعمة المطلقة ، وتذكّر المنعم عليهم ، وطلب الدخول في صراطهم ، والكون معهم كأنّه استمداد منهم في قضاء الحاجة ، كما أنّ التبرّي عن صراط المخالفين كأنّه تحرّز عن أصل الشرّ وفرعه.
ثمّ إنّ كلام الله سبحانه عموما وخصوص الفاتحة على ما عليه من الفضيلة والشرافة بالنسبة إلى جلّ أجزاء القرآن أو كلّه ، وكونه أمّ الكتاب محيطا بما فيه ، لا بدّ وأن يكون فيه من البركات والخيرات ما لا تحصى ، فلا تعجب في كونه شافيا لمرض ظاهريّ ، مع أنّه كلام مالك الشفاء كلّه ، ووصفه القرآن أو البعض منه بأنّه شفاء للمؤمنين ، وأيّ وسيلة بين العبد والشافي أقرب من هذا الكلام من كلماته؟
ولعلّ السرّ في التكرار سبعا كون السبع عددا كاملا ، أو موافقته للسموات السبع المعنويّة ، فيتجاوز بكلّ مرتبة مقام سماء منها إلى أن يصل إلى الملأ الاعلى ،