لكن ضبطها شيخنا البهائي في ثمانية أنواع ؛ لأنّها إمّا دنيويّة أو أخرويّة ، وكلّ منهما إمّا موهبيّ أو كسبيّ ، وكلّ منهما إمّا روحانيّ أو جسمانيّ ، ثمّ قال :
«وهذه تفصيلها : دنيوي موهبي ، إمّا روحانيّ كافاضة العقل والفهم ، أو جسمانيّ كخلق الاعضاء. دنيوي كسبي ، إمّا روحانيّ كتحلية النفس بالاخلاق الزكيّة ، أو جسمانيّ كتزيين البدن بالهيئات المطبوعة. أخروى موهبي ، إمّا روحانيّ كغفران ذنوبنا من غير سبق توبة ، أو جسمانيّ كالانهار من اللّبن والعسل في الجنّة. أخروي كسبي ، إمّا روحانيّ كغفران الذنوب بعد التوبة ، أو جسمانيّ ، كالملذّ ذات الجسمانيّة المستجلبة بفعل الطاعات.
قال : والمراد هنا الاربعة الاخيرة ، وما يكون وسيلة إلى نيلها من الاربعة الاول.» (١)
أقول :
ويندرج في تلك التوفيق للدين والطاعة المذكورين في الرواية المتقدّمة ، فانّهما أيضا موهبيّ تارة وكسبيّ بالدعاء والتضرّع وغيرهما أخرى ، وهما نعمتان ابتداء وتوصّلا بهما إلى جميع نعم الآخرة ، وليس من شرط النعمة أن يكون بنفسها منفعة ، بل تعمّ المنفعة بنفسها وما يوصل إليها لحصولها ؛ كالدرهم والدينار والعقار ، فانّها ليست منافع بأنفسها ، وإنّما هي موصلات إلى المنافع المقصودة لانفسها.
وحينئذ فيمكن أن يكون الغرض من الرواية أنّ المراد بالنعمة هي النعمة بالقياس إلى حال الآخرة ، ويكون ذكر التوفيق للدين والطاعة على وجه المثال ، وذلك لأنّ أصل النعمة هو ما يكون نعمة بالمآل لا في الحال مع انقطاعه عن المآل
__________________
(١) العروة الوثقى ، المخطوط.