ثمّ إنّ هيهنا لحاظا آخر ، وهو لحاظ أنّه إن ذكر الخير كانوا أوّله وأصله وفرعه ومعدنه ومأويه ومنتهاه ، والصراط المستقيم صراط اكتساب بالخيرات إلى أن يصل إلى المقصود ، فهم عليهمالسلام أصل الصراط المشتمل على جميع ما يقرّب العبد إلى الله سبحانه بهذا الاعتبار ، ويحصل في غيرهم رشحات منه بقدر مرتبة تشيّعهم ، كما أنّهم الاصل للطينة الطيّبة الّتي هي أصل الخيرات ، وطين المؤمنين تبع في الخيريّة لطينتهم عليهمالسلام.
وربّما يرشد إلى ما ذكرنا أنّ فواتح السور بعد حذف المكرّرات يتركّب منها جملة : «عليّ صراط حقّ نمسكه.» (١)
ثمّ إنّ هداية الحقّ سبحانه لا تنحصر في الهداية الظاهريّة الّتي يحصل بتعلّم العلم صورة من النبي صلىاللهعليهوآله والائمّة عليهمالسلام بالمشافهة ، أو بمطالعة أخبارهم الحاكية عمّا صدر عنهم من قول أو عمل ، أو بالاخذ عن تعلّم منهم عليهمالسلام ، وإن كان هو الطريق الظاهر العامّ العاديّ وكونهم مظاهر لاسم الهادي ، بل هيهنا هداية من طرف العقل الذي هو حجّة داخليّ ابتداء ، أو بملاحظة آيات الآفاق والانفس وهداية من طرف إلقاء الملك الموكّل بالقلب وروح الايمان ، وهداية من طرف ما يجري الله سبحانه على ألسن العباد من الحكم ، وهداية من طرف اتصال النفس المتصف بصفات التشيّع بالامام عليهالسلام فيستمدّ منه ، وهداية من طرف صحّة الحواسّ الباطنيّة المدركة لأمور غائبة عن مشاعر هذا العالم ، وهداية بالنور الّذي يقذف في القلب ، كما ورد في الحديث على ما ببالي :
«ليس العلم بكثرة التعلّم ، بل هو نور يقذفه الله تعالى في قلب من يريد أن يهديه.» (٢)
__________________
(١) وقد أشار إليه الفيض (ره) في الصافي ، ج ١ ، ص ٥٨.
(٢) هذا كلام الامام الصادق ـ عليهالسلام ـ في حديث عنوان البصري حيث قال ـ