بما يشتمل على إثبات صفة الانعام والاحسان للخلق ، ويوافقه مشاهدة صدور الاحسان والانعام منهم ، ووجدان تحسين العقل شكرهم وقبح الكفران لهم ؛ كما ذكره العدليّة في احتجاجاتهم؟
قلت : لا ننكر استحقاق الشكر والحمد للمنعم ، وإنّما ننكر وجود الوصف في المخلوق ، ونقول : إنّه ليس غيره منعما ، فلا يستحقّ حمدا ولا شكرا.
وأمّا ما وقع في كلماتهم من التمثيل بالخلق ، فلعلّه مسوق على ما يقتضيه النظر الظاهري ، أو على سبيل الفرض ، أو خطاء وقع في الكلام ؛ إذ ليس المعصوم إلا من عصمه الله.
وأمّا ما يرى من تحسين العقل وتقبيحه ، فهو مبنيّ على فرض وجود الموضوع ، إذ أحكام العقل كلّيّات لا جزئيّات فالعقل يحكم بوجوب شكر المنعم بالحقيقة ، والقاصرون يرون منعمين كثيرين ، فيتحصّل منهما النتيجة ، فيحسّنون ويقبّحون بحسبه ، والموحّدون لا يرون في الوجود منعما إلا المنعم الواحد الحقيقيّ ، فيحكمون بأنّه لا يستحقّ أحد من أحد ثناء ولا مدحا أوّلا وبالذات. نعم ، إذا جعل الحقّ سبحانه لأحد حقّا على غيره من شكر وثناء وغيرهما صار ذا حقّ جعليّ ، ولزم الوفاء به من حيث أنّ الله سبحانه جعل له ذلك ، فيندرج تحت حقّ الحقّ سبحانه على عباده ، ويعرضه الوجوب عقلا لذلك ، فلا ينافي ما ذكرناه ما ورد في شكر الناس وحمدهم (١).
وأمّا دعوى مشاهدة النعم والاحسان صادرة عن العباد ، فمنشائها قصور النظر عن ملاحظة الواقع على ما هو عليه ، واحتجاب الناظرين بالخلق عن الحق جلّ
__________________
(١) كخبر الصدوق (ره) عن الرضا ـ عليهالسلام ـ حيث قال ـ عليهالسلام ـ : «من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله عزوجل» راجع العيون ، ج ٢ ، باب ٣١ ، ص ٢٣ ، ح ٢.