والنفع.» وفي وجه عموم الرحيم : «اشتراك تسمية الخلق به.» وفي خصوصه : «رجوعه إلى اللطف بالمؤمنين والتوفيق.» (١)
ويمكن أن يوجّه اختصاص الرحمن معنى بدلالة اللّفظ على زيادة الرحمة ، وبلوغها الغاية القصوى ، نظرا إلى أنّ زيادة المباني تدلّ على زيادة المعاني ، فهو أبلغ من الرحيم. وهذا هو النكتة في اختصاصه بالرحمة الاولى الشاملة لجميع الاشياء ، فيتبعه اختصاص الرحيم مع اجتماعه معه في التوصيف بالرحمة الخاصّة بصميمة ملاحظة الترتيب اللّفظي ، وتطبيقه على المراتب المعنويّة.
ولمّا كان كلّ رحمة وصف المخلوق بها فهي حقيرة بالاضافة إلى رحمة الحقّ لم يستحقّ إطلاق الاسم الدالّة على الزيادة والكثرة على الخلق ، بخلاف الرحيم الّذي لا يدلّ إلا على المتّصف بالرحمة ، فيشمل المخلوقات في النظر الجليّ. وهذه القاعدة أعني : دلالة زيادة المباني على زيادة المعاني ، مع أنّها مصرّح بها في كلام أهل العربيّة ، مؤيّدة بشواهد لا يسعنا ذكر تفصيلها.
وممّا فصّلناه يظهر الوجه في تخصيص الرحمن فيما مرّ من الاخبار في الفرق بين الرحمن والرحيم ، فهو المعتمد عليه.
وأمّا ما في دعاء الصحيفة من إضافتها إلى الدنيا والآخرة ، فلعلّ الوجه فيه أخذ الدنيا والآخرة بمعنى العالم الاوّل والثاني لجميع ما تتحقّق فيهما. ولا ريب أنّ الرحمة الرحيميّة يبتدء في الدنيا بجعل التكليف سهلا خفيفا (٢) ، ثمّ عرضه على العباد ، ثمّ التوفيق لقبوله والهداية بمعنى الايصال إلى المطلوب والتسديد والعصمة ثمّ ترتيب الفيوضات الكماليّة المعنويّة عليه ، وإعطاء الجنان المعنويّة لأهله ، وغير ذلك كلّها إنّما يقع في عالم الدنيا الّتي هي المزرعة للآخرة ، وهي من الرحمة
__________________
(١) تفسير النيشابوري ، ج ١ ، ص ٢٥.
(٢) في المخطوطة : «حنيفا».