إعطاء ما يحتاج إليه المرحوم ، أو دفع ما ينافيه. ويندرج فيها إعطاء الرحمة للرحماء وجعلهم رحماء. فالاولى مندرجة في الثانية بهذا الاعتبار.
والرحمة تارة تعتبر مطلقة مجردة عن التعلّقات والاضافات ، كما يقال : فلان رحيم القلب في مقابلة القسيّ القلب بمعنى أنّه على صفة لو وجد مرحوما لرحمه ؛ وأخرى مضافة متعلّقة بمتعلّق خاصّ ، ونسبته إلى الاعتبار الاول يشبه نسبة الفعليّة إلى الشأنيّة ، وما بالفعل إلى ما بالقوّة وحقيقة الاعتبار الاوّل ملاحظة الرحمة في حدّ نفسها وصرافة حقيقتها ، والثاني إلى ملاحظة انبساطها وشمولها وسعتها للاشياء. وبه يظهر آثارها الخارجيّة الّتي ربّما تطلق عليها الرحمة أيضا باعتبار ظهور الرحمة بها ، واقتضائها إيّاها ، فهي بمنزلة الفرع من الاصل ، بل هي رحمة فعليّة صوريّة ، كما أنّ سابقها رحمة معنويّة صفتيّة. وعلى أيّ اعتبار أخذت الرحمة فهي إنّما تعقل بالاضافة إلى محلّ يصلح لعروض الرحمة له ، وهو الشيء المتّصف بصفة الحاجة والفقر إلى أمر ليس بحاصل له ، فما لم يكن فقير محتاج سائل بلسان حاله فعلا أو شأنا لم يكن رحمة فعليّة وشأنيّة. فمرتبه هذا الاسم متأخّرة عن مرتبة اسم الالوهيّة عقلا وعينا ، إذ المعبوديّة يقتضي عابدا ، كما مرّ في الحديث أنّ : «إلها يقتضي مألوها.» (١) فلو لم يكن عابد لم يكن معبودا. وإن كانت الالوهيّة الشأنيّة لا يقتضى وجود العابد بالفعل ، بل تصير مبدء لايجاده لتظهر ، وهو معنى ما تقدّم في الحديث من إثبات الالهيّة إذ لا مألوه ؛ لكنّها لا تصدق إلا بعد فرض وجود العابد ، فتصدق الشأنيّة بعد فرض وجود العابد والفعليّة بعد الفعليّة. فبمجرّد وجود الممكن فرضا وعينا صحّ وصف الحقّ بالالهيّه بمعنى المعبوديّة شكرا لنعمة إيجاده ، ولما هو عليه من عزّ جلاله وصفاته ، ولما عليه الممكن من خواصّ الامكان ، ولا يلزم من ذلك كون الحقّ
__________________
(١) تقدم عن هشام بن الحكم ، عن الصادق ـ عليهالسلام ـ ، فراجع ص ٢٣١.