الكلمة ، فالحدوث والانعدام ذاتي لمفردات الحروف لا ينفك عنها ، وذلك حتى يمكن أن توجد كلمة ، فإذاً كيف يمكن أن يكون مثل هذا قديماً أزلياً مع الله تعالى؟!
٤ ـ لمّا كانت فكرة عدم خلق القرآن أو القول بقدمه شعار أهل الحديث وسمتهم ، ومن جانب آخر كان القول بقدم القرآن المقروء والملفوظ شيئاً لا يقبله العقل السليم ، جاءت الأشاعرة بنظرية جديدة أصلحوا بها القول بعدم خلق القرآن وقدمه ، والتجأوا إلى أنّ المراد من كلام الله ليس هو القرآن المقروء بل الكلام النفسي ، وقد عرفت مدى صحّة القول بالكلام النفسي. وليس هذا أوّل مورد تقوم الأشاعرة فيه بإصلاح عقيدة أهل الحديث بشكل يقبله العقل ، وعلى كلّ تقدير فالقول بقدم الكلام النفسي ليس بمنزلة القول بقدم القرآن المقروء.
٥ ـ كيف يكون القول بخلق القرآن وحدوثه ملاكاً للكفر مع أنّه سبحانه يصفه بأنّه محدث أي أمر جديد. قال سبحانه : (اقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَة مُعْرِضُونَ* ما يَأْتيهِمْ مِنْ ذِكْر مِنْ رَبِّهِمْ مُحَدَث إِلاّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُون ) (١). والمراد من الذكر هو القرآن الكريم لقوله سبحانه : (إِنّا نَحْنُ نَزّلْنا الذِّكْر وَإِنّا لَهُ لَحافِظُون ) (٢). وقال سبحانه : (وَإِنَّهُ لَذِكرٌ لَكَ وَلِقَومِك). (٣)
والمراد من « محدث » هو الجديد ، وهو وصف للذكر ، ومعنى كونه جديداً أنّه أتاهم بعد الإنجيل. كما أنّ الإنجيل جديد لأنّه أتاهم بعد التوراة. وكذلك بعض سور القرآن وآياته « ذكرجديد » أتاهم بعد بعض. وليس المراد كونه محدثاً من حيث نزوله ، بل المراد كونه محدثاً بذاته بشهادة أنّه وصف ل ـ « ذكر » فالذكر ـ بذاته وشؤون هـ محدث ، فلا معنى لإرجاع الوصف إلى النزول ، بعد كونه محدثاً بالذات.
ــــــــــــــــــ
١ ـ الأنبياء : ١ ـ ٢.
٢ ـ الحجر : ٩.
٣ ـ الزخرف : ٤٤.