واستقلاله المطلق ، وهو غرور ظاهر (١) ، ومنهم من قال بالجبر وصرح به. ومنهم من قالبه وتبرّأ من اسمه. (٢) وهو هدم للشريعة ، ومحو للتكاليف ، وإبطال لحكم العقل البديهي ، وهوعماد الإيمان.
ودعوى أنّ الاعتقاد بكسب العبد لأفعاله يؤدّي إلى الإشراك بالل هـ وهو الظلم العظيم ـ دعوى من لم يلتفت إلى معنى الإشراك على ما جاء به الكتاب والسنّة ، فالإشراك اعتقاد أنّ لغير الله أثراً فوق ما وهبه الله من الأسباب الظاهرة ، وأنّ لشيء من الأشياء سلطاناً على ما خرج عن قدرة المخلوقين ، وهو اعتقاد من يعظم سوى الله مستعيناً به في مالا يقدر العبد عليه...
جاءت الشريعة لتقرير أمرين عظيمين ، هما ركنا السعادة وقوام الأعمال البشرية :
الأوّل : أنّ العبد يكسب بإرادته وقدرته ما هو وسيلة لسعادته.
والثاني : أنّ قدرة الله هي مرجع لجميع الكائنات ، وأنّ من آثارها ما يحول بين العبد وإنفاذ ما يريده ، وأن لا شيء سوى الله يمكنه أن يمد العبد بالمعونة فيما لم يبلغه كسبه.
وقد كلّفه سبحانه أن يرفع هّمته إلى استمداد العون منه وحده ، بعد أن يكون قد أفرغ ما عنده من الجهد في تصحيح الفكر وإجادة العمل. وهذا الذي قررناه قد اهتدى إليه سلف الأُمّة ، فقاموا من الأعمال بما عجبت له الأُمم ، وعوّل عليه من متأخّري أهل النظر إمام الحرمين الجويني رحمهالله ، وإن أنكر عليه بعض من لم يفهمه. (٣)
ثمّ إنّ الركب بعد لم يقف ، وإنّ هناك لفيفاً من المفكّرين أدركوا مرارة القول بالجبر ، وأنّ القول بالكسب لا يسمن ولا يغني من جوع ، فرجعوا إلى القول بالأمر بين الأمرين ، وإن لم يصرحوا باسمه ، ونأتي في المقام بنصّ عالمين كبيرين من شيوخ الأزهر وعلمائه :
ــــــــــــــــــ
١ ـ يريد المعتزلة.
٢ ـ يريد الأشاعرة.
٣ ـ رسالة التوحيد : ٥٩ ـ ٦٢ بتلخيص.