يقول : « وقد كان الأنبياء عليهمالسلام أخبروا الناس عن ذات الله وصفاته وأفعاله ، وعن بداية هذا العالم ومصيره ، وما يهجم عليه الإنسان بعد موته ، وآتوهم علم ذلك كلّه بواسطتهم عفواً بدون تعب ، وكفوهم مؤونة البحث والفحص في علوم ليس عندهم مبادئها ولا مقدّماتها التي يبنون عليها بحثهم ليتوصلوا إلى مجهول ، لأنّ هذه العلوم وراء الحس والطبيعة ، لا تعمل فيها حواسّهم ولا يؤدي إليها نظرهم ، وليست عندهم معلوماتها الأوّلية.
لكن الناس لم يشكروا هذه النعمة وأعادوا الأمر جذعاً ، وأبدوا البحث آنفاً وبدأوا رحلتهم في مناطق مجهولة لا يجدون فيها مرشداً ولا خرّيتاً. (١)
إنّ الكاتب حسب ما توحي عبارته متأثر بالفلسفة المادية التي تحصر أدوات المعرفة بالحس ، ولا يقيم وزناً للعقل الذي هو إحدى أدواتها ، وهذا من الكاتب أمر عجيب جداً ، فإنّ الله سبحانه كما دعا إلى الانتفاع بالحس ومطالعة الطبيعة ، وكشف قوانينها وأنظمتها ، دعا إلى التعّقل والتفكّر في كلّ ما ورد في القرآن الكريم حيث قال : (أَفَلا يَتَدَبَّرونَ القُرآنَ أَمْ عَلى قُلُوب أَقْفالُها). (٢)
وليست الآية ناظرة إلى التدبّر في خصوص الأنظمة السائدة على النبات والحيوان والإنسان ، بل التدبّر في مجموع ما جاء في القرآن ، فقد جاء في القرآن الكريم معارف دعا إلى التدبّر فيها نظير : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيء) (٣) ،( وَلله المَثَلُ الأَعْلى) (٤) ،( لَهُ الأَسماءُ الحُسْنى ) (٥) ،( المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ العَزيزُ الجَبّارُ المُتَكبّرُ ) (٦) ،( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله) (٧) ،( هُوَ الأَوّلُ وَالآخِرُ وَالظّاهِرُ
ــــــــــــــــــ
١ ـ ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين : ٩٧.
٢ ـ محمد : ٢٤.
٣ ـ الشورى : ١٠.
٤ ـ النحل : ٦٠.
٥ ـ طه : ٨.
٦ ـ الحشر : ٢٣.
٧ ـ البقرة : ١١٥.