فصل في معنى الآية
والمعنى : أنكم إذا مثلهم ، إن قعدتم عندهم وهم يخوضون ويستهزئون ، ورضيتم به ، فأنتم كفّار مثلهم ، وإن خاضوا في حديث غيره ، فلا بأس بالقعود معهم مع الكراهة.
قال الحسن : لا يجوز القعود معهم وإن خاضوا في حديث غيره (١) ؛ لقوله (٢) ـ تعالى ـ : (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأنعام : ٦٨] والأكثرون على الأوّل ، وآية الأنعام مكّية وهذه مدنيّة ، والمتأخّر (٣) أولى.
فصل
قال بعض العلماء : هذا يدل على أنّ من رضي بالكفر ، فهو كافر ، ومن رضي بمنكر يراه ، وخالط أهله وإن لم يباشر ذلك ، كان في الإثم بمنزلة المباشر لهذه الآية ، وإن لم يرض وحضر خوفا وتقية ، فلا.
قوله : (إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) أي : كما اجتمعوا على الاستهزاء بآيات الله في الدّنيا ، فكذلك يجتمعون (٤) في العذاب يوم القيامة ، وأراد : جامع بالتنوين ؛ لأنّه بعد ما جمعهم حذف التّنوين ؛ استخفافا من اللّفظ ، وهو مراد في الحقيقة.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)(١٤١)
(٥) في : (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ) : ستّة أوجه :
أحدها : أنه بدل من قوله : (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ) ، فيجيء فيه الأوجه المذكورة هناك.
الثاني : أنه نعت للمنافقين على اللّفظ ، فيكون مجرور المحلّ.
الثالث : أنه تابع لهم على الموضع ، فيكون منصوب المحلّ ، وقد تقرّر أنّ اسم الفاعل العامل إذا أضيف إلى معموله ، جاز أن يتبع معموله لفظا وموضعا ، تقول : «هذا ضارب هند العاقلة والعاقلة» بجرّ العاقلة ونصبها.
الرابع : أنه منصوب على الشّتم.
الخامس : أنه خبر مبتدأ مضمر ، أي : هم الذين.
السادس : ـ وذكره أبو البقاء (٦) ـ أنه مبتدأ ، والخبر قوله : (فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ) ،
__________________
(١) ذكره البغوي في تفسيره ١ / ٤٩١.
(٢) في ب : لقوله.
(٣) في ب : فالمناخر.
(٤) في أ : يجمعون.
(٥) سقط في ب.
(٦) ينظر : الإملاء ١ / ١٩٩.