والمناقب ؛ لأنّ الله ـ تعالى ـ ما أعطى الخلق من العلم إلا القليل ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٨٥] ثم إنّه سمّى ذلك القليل عظيما ، وسمّى جميع الدّنيا قليلا ، لقوله [ـ تعالى ـ](١) : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) [النساء : ٧٧] وذلك يدلّ على شرف العلم.
قوله تعالى : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)(١١٤)
(٢) قال الواحدي (٣) : النّجوى في اللّغة سر بين اثنين ، يقال : ناجيت الرّجل مناجاة ونجاء ، ويقال : نجوت الرّجل أنجو بمعنى : ناجيته ، والنّجوى قد تكون مصدرا بمنزلة المناجاة ، قال ـ تعالى ـ : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) [المجادلة : ٧] وقد يطلق على الأشخاص مجازا ، قال ـ تعالى ـ : (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) [الإسراء : ٤٧] ومعناها : المسارّة ، ولا تكون إلا من اثنين فأكثر.
وقال الزّجّاج (٤) : [النّجوى](٥) ما تفرّد به الاثنان فأكثر ، سرّا كان أو ظاهرا.
وقيل : النّجوى جمع نجيّ ؛ نقله الكرماني ، والنّجوى مشتقّة من نجوت الشيء ، أنجوه ، إذا خلّصته وأفردته ، والنّجوة المرتفع من الأرض ؛ لانفراده بارتفاعه عمّا حوله.
فصل فيمن المقصود بالآية؟
والمراد بالآية : قوم طعمة.
وقال مجاهد : الآية عامّة في حقّ جميع النّاس (٦) ، والنّجوى : هي الإسرار (٧) في التّدبير.
وقيل : النّجوى : ما ينفرد بتدبيره قوم ، سرّا كان أو علانية ، ومعنى الآية : لا خير في كثير مما يدبّرونه بينهم ، إلّا من أمر بصدقة ، أو معروف ، أو إصلاح بين النّاس فالاستثناء يكون متّصلا ، وقيل : هو استثناء منقطع بمعنى : لكن من أمر بصدقة ، وهذان القولان مبنيّان على أن النّجوى يجوز أن يراد بها : المصدر كالدّعوى ؛ فتكون بمعنى : التناجي ، وأن يراد بها : القوم المتناجون إطلاقا للمصدر على الواقع منه مجازا ، نحو : «رجل عدل وصوم». فعلى الأول يكون منقطعا ؛ لأنّ من أمر ليس تناجيا ؛ فكأنه قيل : لكن من أمر بصدقة ، ففي نجواه الخير ، والكوفيّون يقدّرون المنقطع ب «بل» ، وجعل
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في ب.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٣٣.
(٤) ينظر : معاني القرآن ٢ / ١١٤.
(٥) سقط في ب.
(٦) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٨٦) وعزاه لابن جرير وابن المنذر عن عكرمة.
(٧) في ب : السرار.