٢١٠٠ ـ ................ |
|
وكنت عليها بالملا أنت أقدر (١) |
وقد تقدّم اشتقاق «الرقيب». و «عليهم» متعلّق به. و (عَلى كُلِّ شَيْءٍ) متعلّق ب «شهيد» قدّم للفاصلة.
فصل
معنى الكلام (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) أي : كنت أشهد على ما يفعلون ، ما دمت مقيما فيهم ، (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) والمراد منه : الوفاة بالرّفع إلى السّماء من قوله : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ) [آل عمران : ٥٥].
و (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) ، قال الزجاج (٢) : الحافظ عليهم بعد مفارقتي عنهم.
فالشّهيد : المشاهد ، ويجوز حمله على الرّؤية ، ويجوز حمله على العلم ، ويجوز حمله على الكلام بمعنى الشّهادة ، فالشّهيد من أسماء الصّفات الحقيقيّة على جميع التّقديرات.
قوله تعالى : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(١١٨)
فيه سؤال : وهو أنّه كيف طلب المغفرة وهم كفّار ، والله لا يغفر الشّرك؟ والجواب من وجوه :
الأول : أنّه تعالى لمّا قال لعيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) ، علم أنّ قوما من النّصارى حكوا هذا الكلام عنه والحاكي هذا الكفر لا يكون كافرا ، بل مذنبا بكذبه في هذه الحكاية ، وغفران الذّنب جائز ، فلهذا طلب المغفرة.
والثاني : أنّه يجوز من الله ـ تعالى ـ أن يدخل الكفّار الجنّة ، ويدخل الزّهّاد النّار ؛ لأنّ الملك ملكه ، ولا اعتراض لأحد عليه ، فكان غرض عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ بهذا الكلام تفويض الأمور كلّها إلى الله ـ تعالى ـ ، وترك الاعتراض بالكلّيّة ، ولذلك ختم الكلام بقوله (فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أي : القادر على ما تريد ، الحكيم فيما تفعل لا اعتراض لأحد عليك ، وما أحسن ما قيل : فإن أتيت ذنبا عظيما فأنت للعفو أهل ، فإن غفرت ففضل ، وإن جزيت فعدل.
__________________
(١) عجز بيت لقيس بن ذريح وصدره :
أبكّي على لبنى وأنت تركتها |
|
............... |
ينظر : شرح أبيات سيبويه ١ / ٢٤٤ ، شرح المفصل ٣ / ١١٢ ، الكتاب ٢ / ٣٩٣ ، لسان العرب (ملا) ، المقتضب ٤ / ١٠٥ ، الدر المصون ٢ / ٦٥٩.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٢ / ١١٣.