شرفهم وعلو طبقتهم (١) وفضلهم على المؤمنين خافضون لهم أجنحتهم ؛ كقوله تعالى : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح : ٢٩] ذكر هذين الوجهين الزّمخشري.
قال أبو حيّان (٢) : قيل : «أو لأنّه على حذف مضاف ، التّقدير : على فضلهم على المؤمنين ، والمعنى : أنّهم يذلّون ، ويخضعون لمن فضّل عليه مع شرفهم وعلو مكانتهم».
وذكر آية الفتح ، وهذا هو قول الزّمخشري بعينه ، إلا أن قوله : «على حذف مضاف» يوهم حذفه ، وإقامة المضاف إليه مقامه ، وهنا حذف «على» الأولى ، وحذف المضاف إليه ، والمضاف معا.
قال شهاب الدّين (٣) : ولا أدري ما حمله على ذلك؟ ووقع الوصف في جانب المحبّة بالجملة الفعليّة ، لأنّ الفعل يدلّ على التّجدد والحدوث وهو مناسب ، فإن محبّتهم لله ـ تعالى ـ تجدّد طاعاته وعبادته كلّ وقت ، ومحبّة الله إياهم تجدد ثوابه وإنعامه عليهم كلّ وقت ، ووقع الوصف في جانب التّواضع للمؤمنين والغلظة على الكافرين بالاسم الدّال على المبالغة ، دلالة على ثبوت ذلك واستقراره ، وأنه عزيز فيهم ، والاسم يدلّ على الثّبوت والاستقرار ، وقدم الوصف بالمحبّة منهم ولهم على وصفهم ب «أذلّة ـ وأعزّة» ؛ لأنّهما ناشئتان عن المحبتين ، وقدّم وصفهم المتعلّق بالمؤمنين على وصفهم المتعلّق بالكافرين ؛ لأنه آكد وألزم منه ، ولشرف المؤمن (٤) أيضا ، والجمهور على جرّ «أذلّة» ـ «أعزّة» على الوصف كما تقدّم.
قال الزّمخشري : «وقرىء (٥) «أذلّة وأعزّة» بالنّصب على الحال».
قلت : الذي قرأ «أذلّة» ، هو عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ ، إلا أنّه قرأ (٦) بدل «أعزّة» : «غلظاء على الكافرين» وهو تفسير ، وهي حال من «قوم» ، وجاز ذلك ، وإن كان «قوم» نكرة لقربه من المعرفة ؛ إذ قد تخصّص بالوصف.
فصل
معنى «أذلّة» أي : أرقّاء رحماء (٧) ، كقوله تعالى : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) [الإسراء : ٢٤] من قولهم دابّه ذلول ، أي : تنقاد سهلة ، وليس من الذّل في شيء (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) يعادونهم ويغالبونهم ، من قولهم : عزّه إذا غلبه.
__________________
(١) في أ : طبعهم.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٥٢٤.
(٣) ينظر : الدر المصون ٢ / ٥٤٨.
(٤) في أ : المؤمنين.
(٥) ينظر : الكشاف ١ / ٦٤٨.
(٦) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٠٨ ، والبحر المحيط ٣ / ٥٢٤ ، والدر المصون ٢ / ٥٤٩.
(٧) أخرجه الطبري (٤ / ٦٢٧) عن ابن عباس وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٥١٨) وزاد نسبته لابن أبي حاتم.