(الَّذِينَ كَفَرُوا) مبتدأ ، و «أولئك» مبتدأ ثان ، و «أصحاب» خبره ، والجملة خبر الأوّل ، وهذه الجملة مستأنفة ، آتي بها اسمية دلالة (١) على الثّبوت والاستقرار ، ولم يؤت بها في سياق الوعيد ، كما أتى بالجملة قبلها في سياق الوعد حسما لرجائهم ، وأجاز بعضهم أن تكون هذه الجملة داخلة في حيّز الوعد (٢) على ما تقدم تقريره في الجملة قبلها.
قال : لأنّ الوعيد اللّاحق بأعدائهم ممّا يشفي صدورهم ، ويذهب ما كانوا يجدونه من أذاهم ، ولا شكّ أن الأذى اللّاحق للعدوّ ، مما يسرّ ، ويفرح ما عند عدوّه ، وفيه نظر ، فإن الاستئناف واف بهذا المعنى ، فإن الإنسان إذا سمع خبرا يسوء عدوّه سرّ بذلك ، وإن لم يوعد به ، وقد يتقوى (٣) [صاحب](٤) هذا القول المتقدّم بأن الزّمخشريّ قد نحا إلى هذا المعنى في سورة سبحان [الإسراء : ٩ ، ١٠].
قال : فإن قلت : علام عطف (وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) [الإسراء : ١٠].
قلت : على (أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) [الإسراء : ٩] على أنه بشرى للمؤمنين ببشارتين بثوابهم ، وبعقاب أعدائهم ، فجعل عقاب أعدائهم داخلا في حيّز البشارة فالبشارة هناك كالوعد هنا.
وهذه الآية تدلّ على أنّ الخلود في النّار ليس إلا للكفّار ؛ لأنّ قوله : (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) يفيد الحصر ، والمصاحبة تقتضي الملازمة ، كما يقال : أصحاب الصّحراء ، أي : الملازمون لها.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)(١١)
قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) الآية.
قتال قتادة : نزلت هذه الآية ورسول الله صلىاللهعليهوسلم ببطن نخل فأراد بنو ثعلبة وبنو محارب أن يفتكوا به وبأصحابه إذا اشتغلوا بالصلاة فأطلع الله تبارك وتعالى نبيه على ذلك ، وأنزل الله صلاة الخوف ، وقال الحسن : كان النبي صلىاللهعليهوسلم محاصرا غطفان بنخل ، فقال رجل من المشركين : هل لكم في أن أقتل محمدا؟ قالوا : وكيف تقتله؟ قال : أفتك به ، قالوا : وددنا أنك قد فعلت ذلك ، فأتى النبيّ صلىاللهعليهوسلم والنبيّ صلىاللهعليهوسلم متقلد سيفه ، فقال : يا محمد أرني سيفك فأعطاه إيّاه فجعل الرجل يهزّ السيف وينظر مرة إلى السيف ومرة إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ،
__________________
(١) في أ : للدلالة.
(٢) في أ : الوعيد.
(٣) في ب : تقوى.
(٤) سقط في أ.