وأجيب : بأنّ القراءة الشّاذّة مردودة ، إذ لو كانت قرآنا ، لنقلت نقلا متواترا ، ولو جوّزنا في القرآن ألا ينقل متواترا ، لزم طعن الرّوافض والملاحدة في القرآن ، وذلك باطل ، فعلمنا أن القراءة الشّاذّة مردودة ، فلا تصلح أن تكون حجّة.
وأيضا نقل عن أبيّ بن كعب أنّه (١) قرأ : «فعدة من أيام أخر متتابعات» ، مع أنّ التّتابع هناك ما كان شرطا وأجابوا عنه أنّه روي عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ أنّ رجلا قال له : عليّ أيّام رمضان أفأقضيها متفرّقات ، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «أرأيت لو كان عليك دين فقضيت الدّرهم بالدّرهم أما كان يجزيك؟ قال : بلى قال : فالله تعالى أحقّ أن يغفر ويصفح» (٢) وهذا الحديث وإن وقع جوابا عن هذا السّؤال في صوم رمضان ، إلّا أنّ لفظه عامّ ، وتعليله عامّ في جميع الصّيامات ، وقد ثبت في الأصول أنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السبب ، فهذا من أقوى الدّلائل على جواز التّفريق هاهنا.
قوله تعالى : (ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) ، ذلك إشارة إلى ما تقدّم من الإطعام والكسوة ، وتحرير الرّقبة يكفّر عنكم حنث اليمين وقت حلفكم و (إِذا حَلَفْتُمْ) قال أبو البقاء (٣) : «منصوب على الظّرف وناصبه «كفّارة» ، أي : ذلك الإطعام ، أو ما عطف عليه يكفّر عنكم حنث اليمين وقت حلفكم» ، وقال الزمخشريّ (٤) : «ذلك المذكور كفّارة ، ولو قيل : «تلك كفارة» ، لكان صحيحا بمعنى تلك الأشياء ، أو التأنيث للكفّارة ، والمعنى : «إذا حلفتم حنثتم ، فترك ذكر الحنث ؛ لوقوع العلم بأن الكفّارة ، إنما تجب بالحنث بالحلف لا بنفس الحلف ، كقوله تعالى : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة : ١٨٤] أي: فأفطر». ولا بد من هذا الذي ذكره الزمخشريّ ، وهو تقدير الحنث ، ولذلك عيب على أبي البقاء قوله : «العامل في «إذا» كفارة أيمانكم ؛ لأن المعنى : ذلك يكفّر أيمانكم وقت حلفكم» ، فقيل له : الكفّارة ليست واقعة في وقت الحلف ، فكيف يعمل في الظرف ما لا يقع فيه؟ وظاهر الآية أنّ «إذا» متمحّضة للظرفيّة ، وليس فيها معنى الشرط ، وهو غير الغالب فيها ، وقد يجوز أن تكون شرطا ، ويكون جوابها محذوفا على قاعدة البصريّين يدلّ عليه ما تقدّم ، أو هو نفس المتقدّم عند أبي زيد والكوفيين ، والتقدير : إذا حلفتم وحنثتم ، فذلك كفارة إثم أيمانكم ؛ كقولهم : «أنت ظالم إن فعلت».
فصل
اختلفوا في تقديم الكفّارة على الحنث ؛ فذهب قوم إلى جوازه لقول النّبيّ ـ صلّى
__________________
(١) آية ١٨٤ من البقرة ، وينظر : البحر المحيط ٢ / ٤١ ، والكشاف ١ / ٢٢٦.
(٢) أخرجه الدار قطني (٢ / ١٩٤) حديث (٧٧) عن محمد بن المنكدر مرسلا.
قال الدار قطني : إسناده حسن إلّا أنه مرسل ولا يثبت متصلا.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢٥.
(٤) ينظر : الكشاف ١ / ٦٧٤.