قد تقدّم الكلام على دخول «بين» على «أحد» في البقرة فأغنى عن إعادته ، وقرأ الجمهور (١) : «سوف نؤتيهم» بنون العظمة ؛ على الالتفات ، ولموافقة قوله : «وأعتدنا» ، وقرأ حفص عن عاصم بالياء ، أعاد الضمير على اسم تعالى في قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ). وقول بعضهم : قراءة النون أولى ؛ لأنها أفخم ، ولمقابلة «وأعتدنا» ليس بجيّد لتواتر القراءتين.
والمعنى : آمنوا بالله ورسله كلّهم ، ولم يفرّقوا بين أحد من الرّسل ، يقولون : لا نفرّق بين أحد من رسله ، (أُولئِكَ سَوْفَ) نؤتيهم (أُجُورَهُمْ) بإيمانهم بالله وكتبه ورسله ، (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) : يغفر سيّئاتهم ، «رحيما» بهم.
قوله تعالى : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (١٥٣) وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (١٥٤) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥٥) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (١٥٦) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً)(١٥٨)
(٢) وذلك أن كعب بن الأشرف ، وفنحاص بن عازوراء من اليهود قالا لرسول اللهصلىاللهعليهوسلم : إن كنت نبيّا فأتنا بكتاب جملة من السّماء ؛ كما أتى [به](٣) موسى ـ عليهالسلام ـ ، فأنزل الله ـ تعالى ـ : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ)(٤). وكان هذا السّؤال منهم تحكّما واقتراحا ، لا سؤال انقياد ، والله ـ تعالى ـ لا ينزّل الآيات على اقتراح العباد ، والمقصود من الآية : بيان ما جبلوا عليه من التّعنّت ؛ كأنه قيل : إن موسى لمّا نزل عليه كتاب من السّماء ، لم يكتفوا بذلك القدر ، بل طلبوا منه الرّؤية على سبيل المعاينة ، فكان طلب هؤلاء الكتاب ليس لأجل الاسترشاد ، بل لمحض العناد.
قوله : (فَقَدْ سَأَلُوا) : في هذه الفاء قولان :
__________________
(١) ينظر : السبعة ٢٤٠ ، والحجة ٣ / ١٨٨ ، ١٨٩ ، وحجة القراءات ٢١٨ ، وإعراب القراءات ١ / ١٣٩ ، والعنوان ٨٦ ، وشرح شعلة ٣٤٦ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢٢٠ ، وإتحاف ١ / ٥٢٣ ، ٥٢٤.
(٢) سقط في ب.
(٣) سقط في أ.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٣٥٦) عن السدي.