يخرج ، فأخذ ليقتل ، فقال بعضهم : دعوه ، فقد لجأ (١) إليكم ، فتركوه ، وأخرجوه من مكة ، فخرج مع تجّار من قضاعة نحو الشّام ، فنزلوا منزلا ، فسرق بعض متاعهم وهرب ، فطلبوه ، وأخذوه ورموه بالحجارة ؛ حتّى قتلوه ، فصار قبره تلك الحجارة (٢) ، وقيل : إنه ركب سفينة إلى جدة ، فسرق فيها كيسا فيه دنانير فأخذ ، وألقي في البحر ، وقيل : إنه نزل في حرّة بني سليم ، وكان (٣) يعبد صنما لهم إلى أن مات ، فأنزل الله ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) أي : ذهب عن الطّريق ، وحرم الخير كلّه.
وقال الضّحّاك عن ابن عبّاس : إنّ هذه الآية نزلت في شيخ من الأعراب ، جاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : يا نبيّ الله ، إنّي شيخ منهمك في الذّنوب ، إلّا أني لم أشرك بالله شيئا منذ عرفته وآمنت به ، ولم أتّخذ من دونه وليّا ، ولم أواقع المعاصي جرأة على الله ، وما توهّمت طرفة عين أنّي أعجز الله هربا ، وإنّي لنادم ، تائب ، مستغفر ، فما حالي؟ فأنزل الله هذه الآية (٤).
فصل في استدلال الشافعي رضي الله عنه بهذه الآية على حجية الاجماع
روي (٥) أن الشّافعي ـ رضي الله عنه ـ سئل عن آية في كتاب الله ـ تعالى ـ تدلّ على أنّ الإجماع حجّة ، فقرأ القرآن ثلاثمائة مرّة ، حتّى وجد هذه الآية (٦) ، وتقرير الاستدلال ، أن اتّباع غير سبيل المؤمنين حرام [فوجب أن يكون اتّباع سبيل المؤمنين واجبا](٧) بيان المقدّمة الأولى : أنه ـ تعالى ـ ألحق الوعيد بمن يشاقق الرّسول ، ويتّبع غير سبيل المؤمنين ، ولو لم يكن ذلك موجبا ، لكان ذلك ضمّا لما لا أثر له في الوعيد إلى ما هو مستقلّ باقتضاء ذلك الوعيد ، وإنّه غير جائز ، وإذا كان اتّباع غير سبيل المؤمنين حراما ، لزم أن يكون اتّباع سبيل المؤمنين واجبا ، وإذا كان عدم اتّباعهم حراما ، كان اتّباعهم واجبا ؛ لأنّه لا خروج عن طرفي النّقيض.
فإن قيل : لا نسلّم (٨) أنّ عدم اتّباع سبيل المؤمنين ، يصدق عليه أنّه اتّباع لغير سبيل المؤمنين ، فإنه [لا يمتنع ألّا](٩) يتّبع لا سبيل [المؤمنين](١٠) ولا غير سبيل المؤمنين.
الجواب : أنّ المتابعة عبارة عن الإتيان بمثل ما فعل الغير ، وإذا كان من شأن غير
__________________
(١) في أ : جاء.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ١٨٥ ـ ١٨٦) عن السدي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٨٥) وزاد نسبته لابن أبي حاتم.
(٣) في أ : فكان.
(٤) ذكره البغوي في تفسيره ١ / ٤٨٠ ـ ٤٨١.
(٥) في ب : قيل.
(٦) ذكره الرازي في «التفسير الكبير» (١١ / ٣٥).
(٧) سقط في أ.
(٨) في أ : الأسلم.
(٩) في ب : يمنع أن.
(١٠) سقط في أ.