قال : حرق الكاذب ، فدخل [خادمه] ذات ليلة بنار وهو وأهله نيام ، فتطايرت منها شرارة ، فاحترق البيت وأهله (١).
وقال آخرون (٢) : إن الكفّار لما سمعوا الأذان حسدوا المسلمين ، فدخلوا على رسول الله ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ وقالوا : يا محمّد : لقد ابتدعت شيئا لم يسمع به فيما مضى من الأمم ، فإن كنت تدّعي النّبوة فقد خالفت فيما أحدثت الأنبياء قبلك ، ولو كان فيه خيرا لكان أولى النّاس به الأنبياء ، فمن أين لك صياح كصياح العير ، فما أقبح من صوت ، وما أسمج من أمر ، فأنزل الله هذه الآية ، ونزل : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ) [فصلت : ٣٣] قالوا : دلّت هذه الآية على ثبوت الأذان بنصّ الكتاب لا بالمنام وحده.
قال القرطبي (٣) : قال العلماء ـ رضي الله عنهم ـ ولم يكن الأذان بمكّة قبل الهجرة ، وإنما كانوا ينادون «الصّلاة جامعة» ، فلما هاجر النّبيّ ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ ، وصرفت القبلة إلى الكعبة أمر بالأذان ، وبقي «الصّلاة جامعة» للأمر ، وكان النبي ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ قد أهمّه أمر الأذان حتى أريه عبد الله بن زيد ، وعمر بن الخطاب وأبو بكر الصّدّيق ـ رضي الله عنهم ـ وقد كان النبيّ ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ سمع الأذان ليلة الإسراء إلى السّماء ، وأما رؤيا عبد الله بن زيد وعمر ـ رضي الله عنهما ـ فمشهورة ، وأمر النّبيّ ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ بلالا فأذّن بالصّلاة أذان اليوم ، وزاد بلال في الصّبح «الصّلاة خير من النّوم» ، فأقرّها رسول الله ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ ، وليست فيما رآه الأنصاري ، ذكره ابن سعد عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ ، ثمّ ذكر الدّارقطنيّ ؛ أن الصّدّيق ـ رضي الله عنه ـ أري الأذان ، وأنّه أخبر النّبيّ ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ ، وأن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ أمر بلالا بالأذان قبل أن يخبره عبد الله بن زيد ، ذكره الدّار قطني في كتاب «المدبج» له في حديث النّبي ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ عن أبي بكر الصّدّيق ـ رضي الله عنه (٤).
قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ) مبتدأ وخبر ، أي : ذلك الاستهزاء مستقرّ ؛ بسبب عدم عقلهم.
قوله تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ)(٥٩)
لما حكى عنهم أنهم اتّخذوا دين الإسلام هزوا ولعبا ، فقال : ما الذي تجدون فيه ممّا يوجب اتّخاذه هزوا ولعبا؟
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٦٣١) عن السدي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٥٢١) وزاد نسبته لابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٢) ينظر : تفسير الرازي ٢ / ٤٨.
(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٦ / ١٤٦.
(٤) ينظر : القرطبي ٦ / ١٤٦.