فإن قيل : الأصل تصرّف الإنسان في ماله مطلقا ، قيل له : الأصل الكلّي والواقعة المعيّنة المخالفة لذلك الأصل لا تعارض بينهما كالعموم والخصوص.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٥١)
اختلفوا في نزول هذه الآية ، وإن كان حكمها عامّا لجميع المؤمنين ، فقال قوم : نزلت في عبادة بن الصّامت ـ رضي الله عنه ـ ، وعبد الله بن أبي ابن سلول ـ لعنه الله ـ ، وذلك أنّهما اختصما ، فقال عبادة : إن لي أولياء من اليهود كثير عددهم شديدة شوكتهم ، وإنّي أبرأ إلى الله ـ تعالى ـ وإلى رسوله من ولايتهم وولاية اليهود ، ولا مولى لي إلا الله ـ عزوجل ـ ورسوله. فقال عبد الله ـ لعنه الله ـ : لكنّي لا أبرأ من ولاية اليهود لأنّي أخاف الدّوائر ولا بدّ لي منهم فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ : يا أبا الحباب ما نفذت من ولاية اليهود على عبادة بن الصّامت فهو لك دونه قال : إذن أقبل. فأنزل الله ـ تعالى ـ (١) هذه الآية.
وقال السّدّيّ : لمّا كانت وقعة [أحد](٢) اشتدّت على طائفة من النّاس ، وتخوّفوا أن يدال عليهم الكفّار ، فقال [رجل](٣) من المسلمين : أنا ألحق بفلان اليهوديّ ، وآخذ منه أمانا إنّي أخاف أن يدال علينا اليهود.
وقال رجل آخر : أما أنا فألحق بفلان النّصرانيّ من أهل الشّام ، وآخذ منه أمانا ، فأنزل الله هذه الآية نهيا لهما (٤).
وقال عكرمة : نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر بعثه النّبيّ ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ إلى بني قريظة حين حاصرهم ، فاستشاروه في النّزول ، وقالوا : ماذا يصنع بنا إذا نزلنا فجعل إصبعه على حلقه أنّه الذّبح ، أي : يقتلكم ، فنزلت هذه الآية (٥) ؛ ومعنى لا تتّخذوهم أي : لا تعتمدوا على استنصارهم ، ولا تتودّدوا إليهم.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٦١٥) والبيهقي في «دلائل النبوة» (٣ / ١٧٥) عن عبادة بن الوليد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٥١٥) وزاد نسبته لابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه.
والخبر في «السيرة النبوية» لابن هشام (٢ / ٤٢٨ ـ ٤٢٩).
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٦١٦) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٥١٥) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن السدي.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٦١٦) عن عكرمة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٥١٥) وزاد نسبته لابن المنذر.