المؤمنين ألّا يتّبعوا سبيل المؤمنين ، فكلّ من لم يتّبع سبيل المؤمنين ، فقد أتى بمثل ما فعل غير المؤمنين ؛ فوجب كونه متّبعا لهم.
ولقائل أن يقول : الاتّباع ليس عبارة عن الإتيان بمثل فعل الغير ، وإلا لزم أن يقال : الأنبياء (١) والملائكة يتبعون لآحاد الخلق من حيث إنّهم يوحّدون الله [ـ تعالى ـ](٢) لما أن كلّ واحد من آحاد الأمّة يوحّد الله ـ تعالى ـ ، ومعلوم أنّ ذلك لا يقال ، بل الاتّباع عبارة عن الإتيان بمثل فعل الغير ، لأجل أنه فعل ذلك الغير ، ومن كان كذلك فمن (٣) ترك متابعة سبيل المؤمنين ؛ لأجل أنّه ما وجد على وجوب متابعتهم دليلا ، فلا جرم لم يتّبعهم ، فهذا شخص لا يكون متّبعا لغير سبيل المؤمنين.
وقال ابن الخطيب (٤) : وهذا سؤال قويّ على هذا الدّليل ، وفيه أبحاث أخر دقيقة ذكرناها في كتاب المحصول.
فصل
قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) الآية قد تقدّم بيان سبب نزولها ، والفائدة في تكرارها ؛ أن الله ـ تعالى ـ ما أعاد آية من آيات الوعيد بلفظ واحد مرّتين ، وقد أعاد هذه الاية بلفظ واحد ، وهي من آيات الوعد ؛ فدل ذلك على أنّه ـ تعالى ـ خصّ جانب الوعد والرّحمة بمزيد التّأكيد.
فإن قيل : لم ختم تلك الآية بقوله : (فَقَدِ افْتَرى) وهذه بقوله : (فَقَدْ ضَلَّ).
فالجواب : أنّ ذلك في غاية المناسبة ، فإن الأولى في شأن أهل الكتاب من أنّهم عندهم علم بصحّة نبوته ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، وأن شريعته ناسخة لجميع الشّرائع ، ومع ذلك فقد كابروا في ذلك ، فافتروا على الله ـ تعالى ـ ، وهذه في شأن قوم مشركين غير أهل كتاب ولا علم ، فناسب وصفهم بالضّلال ، وأيضا : فقد تقدّم ذكر الهدى ، وهو ضدّ الضلال.
قوله تعالى : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً (١١٧) لَعَنَهُ اللهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (١١٨) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (١١٩) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢٠) أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً)(١٢١)
(٥) «إن» هنا معناها : النّفي ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ
__________________
(١) في أ : الأتباع.
(٢) سقط في أ.
(٣) في ب : فقد.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٣٥.
(٥) سقط في ب.