أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ)(٤١)
قد تقدم أنّ «يحزن» يقرأ (١) بفتح الياء وضمّها وأنهما لغتان ، وهل هما بمعنى ، أو بينهما فرق.
والنّهي للنبيّ في الظاهر ، وهو من باب قوله : «لا أرينك هاهنا» ، أي : لا تتعاط أسبابا يحصل لك بها حزن من جهتهم ، وتقدم لك تحقيق ذلك مرارا.
وقول أبي البقاء (٢) في «يحزنك» : «والجيد فتح الياء وضمّ الزّاي ، ويقرأ بضمّ الياء ، وكسر الزّاي من : أحزنني وهي لغة» ـ ليس بجيّد ؛ لأنها قراءة متواترة ، وقد تقدّم دليلها في آل عمران [الآية ٧٦]. و «يسارعون» من المسارعة ، و «في الكفر» متعلق بالفعل قبله ، وقد تقدم نظيرها في آل عمران. واعلم أنه تعالى خاطب النبيّ عليه الصلاة والسلام بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ) في مواضع كثيرة ، ولم يخاطبه بقوله : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ) إلّا في موضعين في هذه السورة.
أحدهما : هاهنا ، والثانية : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ) [المائدة : ٦٧] وهذا خطاب تشريف وتعظيم.
واعلم أنه تعالى لما بيّن بعض التكاليف والشرائع ، وكان قد علم من بعض النّاس المسارعة إلى الكفر لا جرم صبّر رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ على تحمّل ذلك ، وأمره بأن لا يحزن لأجل ذلك أي : لا تهتمّ ولا تبال بمسارعة المنافقين في الكفران في موالاة الكفار ، فإنهم لن يعجزوا الله شيئا.
قوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ قالُوا) يجوز أن يكون [حالا من](٣) الفاعل في «يسارعون» أي : يسارعون حال (٤) كونهم بعض الذين قالوا ، ويجوز أن يكون حالا من نفس الموصول ، وهو قريب من معنى الأول ، ويجوز أن يكون «من» بيانا لجنس الموصول الأول ، وكذلك «من» الثانية ، فتكون تبيينا وتقسيما للذين يسارعون في الكفر ، ويكون «سمّاعون» على هذا خبر مبتدأ محذوف و «آمنّا» منصوب ب «قالوا» [و «أفواههم» متعلق ب «قالوا» لا ب «آمنّا»](٥) بمعنى أنه لم يجاوز قولهم أفواههم ، إنّما نطقوا به غير معتقدين له بقلوبهم. وقوله : (وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) جملة حاليّة.
قال بعض المفسّرين : فيه تقديم وتأخير ، والتقدير : من الذين قالوا : آمّنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ، وهؤلاء هم المنافقون.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٩٠ ، والبحر المحيط ٣ / ٤٩٩ ، والدر المصون ٢ / ٥٢٦.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢١٥.
(٣) سقط في أ.
(٤) في أ : رجال.
(٥) سقط في أ.