أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار ، دخلوا على النّبيّ ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ ، وقالوا : آمنّا بك وصدّقناك فيما قلت ، وهم يسرّون الكفر.
«وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به» (١) أي : دخلوا كافرين وخرجوا كافرين ، والله أعلم بما يكتمون ، والغرض منه : المبالغة فيما في قلوبهم من الجدّ والاجتهاد في المكر بالمسلمين ، والكيد والبغض والعداوة لهم.
قالت المعتزلة (٢) : إنّه تعالى أضاف الكفر إليهم حالتي الدخول والخروج على سبيل الذّمّ ، وبالغ في تقرير تلك الإضافة بقوله : (وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) ، فدلّ هذا على أنّه من العبد لا من الله تعالى.
والجواب : المعارضة بالعلم والداعي.
قوله تعالى : (وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)(٦٢)
قوله : «وترى» : يجوز أن تكون بصريّة ، فيكون «يسارعون» حالا ، وأن تكون العلميّة أو الظنيّة ، فينتصب «يسارعون» مفعولا ثانيا ، و «منهم» في محلّ نصب ؛ على أنه صفة ل «كثيرا» فيتعلّق بمحذوف ، أي : كائنا منهم ، أو استقرّ منهم ، وقرأ (٣) أبو حيوة : «العدوان» بالكسر ، و «أكلهم» هذا مصدر مضاف لفاعله ، و «السّحت» مفعوله ، وقد تقدّم ما فيه.
فصل
الضّمير في «منهم» لليهود ، والمسارعة في الشّيء الشّروع فيه ، والمراد بالإثم الكذب ، وقيل : المعاصي ، والعدوان الظّلم ، وقيل : الإثم ما يختصّ بهم ، والعدوان ما يتعدّاهم إلى غيرهم ، وقيل : الإثم ما كتموا من التّوراة ، والعدوان ما زادوا فيها ، (وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ) الرّشوة (٤).
وقوله تعالى : (كَثِيراً مِنْهُمْ) لأنّهم كلّهم ما كانوا يفعلون ذلك ، لفظ المسارعة إنما [يستعمل](٥) في أكثر الأمر في الخير ، قال تعالى : (وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) [آل عمران : ١١٤] وقال تعالى : (نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) [المؤمنون : ٥٦] فكان اللّائق بهذا الموضع لفظ العجلة.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٦٣٦) عن ابن عباس وقتادة والسدي وذكره السيوطي في «الدر» (٢ / ٥٢٣ ـ ٥٢٤) عن قتادة وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
وذكره أيضا (٢ / ٥٢٤) عن ابن عباس وزاد نسبته لابن أبي حاتم.
(٢) ينظر : تفسير الرازي ١٢ / ٣٣.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢١٤ ، والبحر المحيط ٣ / ٥٣٢ ، والدر المصون ٢ / ٥٦٥.
(٤) في أ : الرشاة.
(٥) سقط في أ.