«كان» عليها ؛ لأنّ تقديم المعمول يؤذن بتقديم العامل ، وأجاز أبو البقاء (١) أن يكون منصوبا ب «يكون» وهذا على رأي من يجيز ل «كان» أن تعمل في الظرف وشبهه ، والضمير في «يكون» لعيسى يعني : يكون عيسى عليهم شهيدا : أنه قد بلّغهم رسالة ربّه ، وأقرّ بالعبوديّة على نفسه مخبرا عنهم و (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) [المائدة : ١١٧] وكل نبيّ شاهد على أمّته ، وقيل : الضّمير في «يكون» لمحمّد ـ عليهالسلام ـ.
قوله تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦١) لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً)(١٦٢)
قوله ـ تعالى ـ : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا) الآية لمّا ذكر قبائح أفعال اليهود ، ذكر عقيبه تشديده ـ تعالى ـ عليهم في الدّنيا والآخرة ، أما تشديده في الدّنيا ، فهو تحريم الطّيّبات عليهم وكانت محلّلة لهم قبل ذلك ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) إلى قوله [ـ تعالى ـ](٢) : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ) [الأنعام : ١٤٦] وقيل : لمحمدعليهالسلام.
قوله سبحانه : «فبظلم» : هذا الجارّ متعلّق ب «حرّمنا» والباء سببية ، وإنما قدّم على عامله ؛ تنبيها على قبح سبب التحريم ، وقد تقدّم أنّ قوله : «فبظلم» بدل من قوله : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) ، وتقدّم الردّ على قائله أيضا فأغنى عن إعادته ، و (مِنَ الَّذِينَ) صفة ل «ظلم» أي : ظلم صادر عن الذين هادوا ، وقيل : ثمّ صفة للظلم محذوفة للعلم بها ، أي : فبظلم أي ظلم ، أو فبظلم عظيم ؛ كقوله : [الطويل]
١٩٠٠ ـ فلا وأبي الطّير المربّة بالضّحى |
|
على خالد لقد وقعت على لحم (٣) |
أي : لحم عظيم.
قوله جلّ وعلا : (أُحِلَّتْ لَهُمْ) هذه الجملة صفة ل «طيّبات» فمحلّها نصب ، ومعنى وصفها بذلك ، أي : بما كانت عليه من الحلّ ، ويوضّحه قراءة ابن عباس «كانت أحلت لهم» والمراد من ظلمهم : ما تقدّم ذكره من نقض الميثاق ، وكفرهم بآيات الله ، وبهتانهم على مريم ، وقولهم : (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَحَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ) وهو ما ذكر في سورة الأنعام [الأنعام : ١٤٦] «وبصدّهم» وبصرفهم (٤) أنفسهم وغيرهم (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) عن دين الله.
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٠٢.
(٢) سقط في أ.
(٣) تقدم.
(٤) في ب : وصرفهم.