فالجواب : أن التّرك بقاء على العدم ، وذلك لا يمكن التّوسّل به ، بل من دعته الشهوة [إلى فعل القبيح](١) ، فتركه مرضاة الله حصل التّوسّل إلى الله بذلك الامتناع ، لكنّه من باب الأفعال ، ولذلك قال المحقّقون : ترك [الشّيء](٢) عبارة عن فعل ضدّه.
ثم قال ـ تعالى ـ : (وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، لمّا أمر بترك ما لا ينبغي بقوله : (اتَّقُوا اللهَ) وفعل ما ينبغي بقوله (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) وكل واحد منهما شاقّ ثقيل على النّفس فإن النّفس تدعو إلى اللّذّات المحسوسة ، والعقل يدعو إلى خدمة الله وطاعته والإعراض عن المحسوسات ؛ فكان بين الحالتين تضادّ وتناف ، وإذا كان الأمر كذلك فالانقياد لقوله تعالى (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) من أشقّ الأشياء على النّفس وأشدها ثقلا على الطّبع ، فلهذا أردف ذلك التّكليف بقوله (وَجاهِدُوا فِي) سبيل الله (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، ولمّا أرشد المؤمنين في هذه الآية إلى معاقد الخيرات ومفاتح السّعادات ، أتبعه بشرح حال الكفّار.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٣٦) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ)(٣٧)
(٣) قد تقدم الكلام على «أنّ» الواقعة بعد «لو» على أنّ فيها مذهبين.
و «لهم» خبر ل «أنّ» ، و (ما فِي الْأَرْضِ) اسمها ، و «جميعا» (٤) توكيد له ، أو حال منه و «مثله» في نصبه وجهان :
أحدهما : عطف على اسم «أن» وهو «ما» الموصولة.
والثاني : أنه منصوب على المعيّة ، وهو رأي الزّمخشري ، وسيأتي ما يرد على ذلك والجواب عنه.
و «معه» ظرف واقع موقع الحال.
[«واللام»](٥) متعلّقة بالاستقرار الذي تعلّق به الخبر ، وهو «لهم».
و «به» و «من عذاب» متعلّقان بالافتداء ، والضّمير في «به» عائد على «ما» الموصولة ، وجيء بالضّمير مفردا وإن تقدّمه شيئان وهما (ما فِي الْأَرْضِ) و «مثله» ، إما لتلازمهما فهما في حكم شيء واحد ؛ وإما لأنّه حذف من الثّاني لدلالة ما في الأوّل عليه ، كقوله رحمة الله عليه : [الطويل]
__________________
(١) في أ : للقبيح.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) في أ : وجمعها.
(٥) سقط في أ.