بالنّصّ في الحقيقة ؛ لأنّه يصير التّقدير : أنه ـ تعالى ـ قال : متى غلب على ظنّك أن حكم الصّورة المسكوت عنها ، مثل حكم الصّورة المنصوص عليها ، بسبب أمر جامع [فاعلم : أنّه تكليفي في حقّك أن تعمل](١) بموجب ذلك الظّنّ ، وإذا كان كذلك ، كان العمل بالقياس عملا بالنّصّ.
قوله : «للخائنين» متعلّق ب «خصيما» واللام : للتّعليل ، على بابها ، وقيل : هي بمعنى : «عن» ، وليس بشيء ؛ لصحّة المعنى بدون ذلك ، ومفعول «خصيما» : محذوف ، تقديره : «خصيما البرآء» ، وخصيم : يجوز أن يكون مثال مبالغة ، كضريب ، وأن يكون بمعنى : مفاعل ، نحو : خليط وجليس بمعنى : مخاصم ومخالط ومجالس.
قال الواحدي (٢) : خصمك الذي يخاصمك ، وجمعه : الخصماء ، وأصله من الخصم : وهو ناحية الشّيء ، والخصم : طرف الزّاوية ، وطرف الأشفار ، وقيل للخصمين : خصمان ؛ لأنّ كل واحد منهما في ناحية من الحجّة والدّعوى ، وخصوم السّحابة : جوانبها.
فصل : في سبب نزول الآية
روى الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس ، قال : نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار ، يقال له : طعمة بن أبيرق من بني ظفر بن الحارث ، سرق درعا من جار له يقال له : قتادة بن النّعمان ، وكانت الدّرع في جراب له فيه دقيق ، فجعل الدّقيق ينتثر من خرق في الجراب ، حتى انتهى إلى الدّار ، ثم خبّأها عند رجل من اليهود ، يقال له : زيد ابن السّمين ، فالتمست الدّرع عند طعمة ، فحلف بالله ما أخذها وما له بها من علم ، فقال أصحاب الدّرع : لقد رأينا أثر الدقيق حتى دخل داره ، فلما حلف ، تركوه واتّبعوا أثر الدقيق إلى منزل اليهوديّ ؛ فأخذوه منه ، فقال اليهوديّ : دفعها إليّ طعمة بن أبيرق ، فجاء بنو ظفر وهم قوم طعمة إلى رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، وسألوه أن يجادل عن صاحبهم ، وقالوا له : إنك إن لم تفعل ، افتضح صاحبنا ، فهمّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يعاقب اليهودي (٣).
ويروى عن ابن عبّاس رضي الله عنهما في رواية أخرى : أن طعمة سرق الدّرع في جراب فيه نخالة ، فخرق الجراب حتّى كان يتناثر منه النّخالة طول الطّريق ، فجاء به إلى
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٢٧.
(٣) ذكره البغوي في تفسيره ١ / ٤٧٧.