بني» متعلّق بوصف محذوف في الحقيقة ، لا بقولك «عندي» ، ويمكن أن يقال ـ وهو بعيد جدّا ـ إنه أراد التعلّق المعنويّ ؛ وذلك أنّ العامل في الموصوف عامل في صفته ، و «عليه» عامل في «جزاء» ، فهو عامل في صفته ، فالتعلّق من هذه الحيثيّة ، ولكن إنما يتأتّى ذلك حيث جعلنا الخبر عاملا في المبتدأ ، أو قلنا : إنّ الجارّ يرفع الفاعل ، ولو لم يعتمد وإنما ذكر هنا التوجيهات ؛ لأنّ القائلين بذلك ممّن لا يلغى قولهم بالكلية.
والألف في «ذوا» علامة الرفع ؛ لأنه مثنى ، وقد تقدّم الكلام في اشتقاق هذه اللفظة وتصاريفها [الآية ١٧٧ البقرة] ، وقرأ الجمهور : «ذوا» بالألف ، وقرأ (١) محمد بن جعفر الصادق : «ذو» بلفظ الإفراد ، قالوا : ولا يريد بذلك الوحدة ، بل يريد : يحكم به من هو من أهل العدل ، وقال الزمخشريّ (٢) : «وقيل : أراد الإمام» فعلى هذا تكون الوحدة مقصودة ، و «منكم» في محلّ رفع صفة ل «ذوا» ، أي : إنهما يكونان من جنسكم في الدّين ، ولا يجوز أن تكون صفة ل «عدل» ؛ لأنه مصدر قاله أبو البقاء (٣) ، يعني : أن المصدر ليس من جنسهم ، فكيف يوصف بكونه منهم؟
فصل
المعنى يحكم للجزاء رجلان عدلان قال ابن عبّاس : يريد يحكم به في جزاء الصّيد رجلان صالحان منكم ، من أهل قبلتكم ودينكم ، فقيهان عدلان ، فينظران إلى أشبه الأشياء من النّعم ، فيحكمان به (٤) ، وممّن ذهب إلى إيجاب المثل من النّعم : عمر ، وعثمان ، وعليّ ، وعبد الرّحمن بن عوف ، وابن عمر ، وابن عبّاس ، وغيرهم من الصّحابة حكموا في بلدان مختلفة ، وأزمان شتّى بالمثل من النّعم ، فحكم حاكمهم في النّعامة ببدنة ، وهي لا تساوي بقرة ، وفي الضّبع كبش وهو لا يساوي كبشا ، فدلّ على أنهم نظروا إلى ما يقرب من الصّيد شبها من حيث الخلقة.
وروي عن عمر ، وعثمان ، وابن عباس : أنّهم قضوا في حمام مكّة بشاة (٥).
وروى جابر بن عبد الله : أنّ عمر بن الخطّاب قضى في الضّبع بكبش ، وفي الغزال بعنز ، وفي الأرنب بعناق ، وفي اليربوع بجفرة (٦).
__________________
(١) ينظر : الكشاف ١ / ٦٧٩ ، والبحر المحيط ٤ / ٢٣ ، والدر المصون ٢ / ٦٠٩.
(٢) ينظر : الكشاف ١ / ٦٧٩.
(٣) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٢٢٦.
(٤) انظر تفسير الطبري (١٢ / ٧٧).
(٥) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٥٨٠) عن ابن عباس وعطاء وعزاه لابن أبي شيبة.
(٦) ورد الشطر الأول منه مرفوعا ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٥٨٠) عن جابر وعزاه لابن أبي شيبة والحاكم.