فصل في وجوب نصب إمام
احتجّوا بهذه الآية على أنّه يجب على الأمّة أن ينصّبوا لأنفسهم إماما معيّنا ، لأنّه تعالى أوجب بهذه الآية إقامة الحدّ على السّرّاق والزّناة فلا بدّ من شخص يكون مخاطبا بهذا الخطاب ، وأجمعت الأمة على أنّه ليس لآحاد الرعيّة إقامة الحدود على الأحرار الجناة إلّا الإمام ، فلمّا كان هذا تكليفا جازما ، ولا يمكن الخروج من عهدته ، إلا بوجود الإمام وجب نصبه ؛ لأنّ ما لا يأتي الواجب إلا به ، وكان مقدورا للمكلّف فهو واجب.
فصل
قالت المعتزلة : قوله تعالى : (جَزاءً بِما كَسَبا) يدلّ على تعليل أحكام الله تعالى ؛ لأنّه صريح في أنّ القطع إنّما وجب معلّلا بالسرقة.
وجوابه ما تقدم في قوله (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا).
قوله تعالى (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) والمعنى : عزيز في انتقامه ، حكيم في شرائعه وتكاليفه ، قال الأصمعيّ : كنت أقرأ سورة المائدة ومعي أعرابيّ. فقرأت هذه الآية فقلت : والله غفور رحيم ، سهوا فقال الأعرابيّ : كلام من هذا ، فقلت : كلام الله ، فقال : أعد ، فأعدت : والله غفور رحيم ثمّ تنبّهت فقلت : (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) فقال : الآن أصبت.
قلت : كيف عرفت؟ فقال : يا هذا ، عزّ فحكم فأمر بالقطع ، فلو غفر ورحم لما أمر بالقطع.
قوله تعالى : (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ) الجارّ [والمجرور في قوله : (مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ)](١) متعلّق ب «تاب» و «ظلم» مصدر مضاف إلى فاعله ، أي : من بعد أن ظلم غيره بأخذ ماله.
وأجاز بعضهم أن يكون مضافا للمفعول ، أي : من بعد أن ظلم نفسه ، وفي جواز هذا نظر ؛ إذ يصير التقدير : من بعد أن ظلمه ، ولو صرّح بهذا الأصل لم يجز ؛ لأنّه يؤدّي إلى تعدّي فعل المضمر إلى ضميره المتصل ، وذلك لا يجوز إلا في باب : «ظن وفقد وعدم» ، كذلك قاله أبو حيان.
وفي نظره نظر ؛ لأنّا إذا حللنا المصدر لحرف مصدريّ وفعل ، فإنّما يأتي بعد الفعل بما يصحّ تقديره ، وهو لفظ النّفس ، أي : من بعد أن ظلم نفسه. انتهى.
__________________
(١) سقط في أ.