قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١٥٠) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٥١) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)(١٥٢)
لما تكلم على طريقة المنافقين ، أخذ يتكلّم على مذاهب اليهود والنّصارى ومناقضاتهم ، وذكر في آخر هذه السّورة من هذا الجنس أنواعا :
أولها : إيمانهم ببعض الأنبياء دون بعض ؛ لأنهم كفروا بمحمّد صلىاللهعليهوسلم ، فبيّن أن الكفر به كفر بالكلّ ؛ لأن ما من نبيّ إلا وقد أمر قومه بالإيمان بمحمّد ـ عليه الصلاة والسلام ـ وبجميع الأنبياء.
قال المفسّرون (٢) : نزلت هذه الآية في اليهود ، وذلك أنّهم آمنوا بموسى ، والتّوراة ، وعزير ، وكفروا بعيسى ، والإنجيل ، وبمحمّد ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، والقرآن ، (وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) أي : بين الإيمان بالكلّ وبين الكفر بالكلّ سبيلا ، أي : واسطة ، وهي (٣) الإيمان بالبعض دون البعض ، وأشير ب «ذلك» وهو للمفرد ، والمراد به : البيّنة (٤) ، أي : بين الكفر والإيمان ، وقد تقدّم نظيرها في البقرة ، وفي خبر «إنّ» قولان :
الأول : أنه محذوف ، تقديره : جمعوا المخازي.
والثاني : هو قوله : (أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) والأوّل أحسن لوجهين :
أحدهما : أنه أبلغ ؛ لأن الجواب إذا حذف ذهب الوهم كلّ مذهب ، فإذا ذكر بقي مقتصرا على المذكور.
والثاني : أنه رأس آية ، والأحسن ألا يكون الخبر منفصلا عن المبتدأ ، و «بين» يجوز أن يكون منصوبا ب «يتّخذوا» ، وأن يكون منصوبا بمحذوف ؛ إذ هو حال من «سبيلا».
قوله : «حقّا» فيه أوجه :
أحدها : أنه مصدر مؤكّد لمضمون الجملة [قبله](٥) ، فيجب إضمار عامله وتأخيره عن الجملة المؤكّد لها ، والتقدير : أحقّ ذلك حقا ، وهكذا كلّ مصدر مؤكّد لغيره أو لنفسه.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٤٩٤.
(٣) في أ : وعلى.
(٤) في أ : التثنية.
(٥) سقط في أ.