فصل
من قرأ بكسر اللام وفتح الميم جعل اللّام متعلقة بقوله : (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ) فيكون المعنى: آتيناه الإنجيل ليحكم ، ومن قرأ بجزم اللام والميم على سبيل الأمر ففيه وجهان :
أحدهما : أن يكون التقدير : وقلنا : ليحكم أهل الإنجيل ، فيكون هذا إخبارا عمّا فرض الله عليهم في ذلك الوقت ، وحذف القول كثير كقوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) [الرعد : ٢٣ ـ ٢٤] أي : يقولون سلام عليكم.
والثاني : أن يكون قوله : «وليحكم» ابتدأ الأمر للنّصارى بالحكم بما في الإنجيل.
فإن قيل : كيف يجوز أن يؤمروا بالحكم بما في الإنجيل بعد نزول القرآن؟
فالجواب من وجوه :
[الأول : ليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه من الدلائل الدالة على نبوة محمدصلىاللهعليهوسلم.
الثاني : وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه مما لم يصر منسوخا بالقرآن.
الثالث : المراد وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه](١) زجرهم عن تحريف ما في الإنجيل وتغييره كما فعله اليهود من إخفاء أحكام التّوراة ، والمعنى : وليقرّ أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه على الوجه الذي أنزله من غير تحريف ولا تبديل ، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون الخارجون عن أمر الله عزوجل.
قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)(٤٨)
(٢) وهذا خطاب مع النّبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ والمراد بالكتاب القرآن العظيم.
والباء [في «بالحقّ»](٣) يجوز أن تكون للحال من «الكتاب» أي : ملتبسا بالحقّ والصّدق ، وهي حال مؤكدة ، ويجوز أن تكون حالا من الفاعل أي : مصاحبين للحقّ ، أو حالا من «الكاف» في «إليك» أي : وأنت ملتبس بالحقّ.
و «من الكتاب» تقدم نظيره ، و «أل» في الكتاب الأول للعهد ، وهو القرآن بلا خلاف ، وفي الثاني : يحتمل أن تكون للجنس ، إذ المراد الكتب السماويّة [كما تقدم](٤).
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) سقط في أ.