ثم قال : (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) أي : وإليه يؤول أمر الخلق ؛ لأنّه لا يملك الضّرّ والنّفع هناك إلّا هو.
قوله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(١٩)
قوله : (يُبَيِّنُ لَكُمْ) فيه وجهان :
أحدهما : إن المبين هو الدّين والشّرائع ، وإنما حسن حذفه ؛ لأنّ كل أحد يعلم أنّ الرّسول إنّما أرسل لبيان الشّرائع ؛ لدلالة اللّفظ عليه.
الثاني : أن يكون التّقدير : يبيّن (١) لكم البيان ، وحذف المفعول أكمل ؛ لأنّه يصير أعمّ فائدة ، وتقدّم الكلام في «يبيّن» (٢).
قوله : (عَلى فَتْرَةٍ) فيه ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنّه متعلّق [ب «جاءكم»](٣) أي : جاءكم على حين فتور (٤) من إرسال الرّسل ، وانقطاع من الوحي ذكره الزّمخشريّ.
والثاني : أنّه حال من فاعل «يبيّن» أي يبيّن في حال كونه على فترة.
والثالث : أنّه حال من الضّمير المجرور في «لكم» ، فيتعلّق على هذين الوجهين بمحذوف ، و (مِنَ الرُّسُلِ) صفة ل «فترة» ، على أن معنى «من» : ابتداء الغاية ، أي : فترة صادرة من إرسال الرّسل.
فصل
قال ابن عبّاس : يريد على انقطاع من الأنبياء (٥) ، يقال : فتر الشيء يفتر فتورا إذا سكنت حركته ، فصار أقلّ ما كان عليه ، وسمّيت المدّة بين الأنبياء فترة ؛ لفتور الدّواعي في العمل بترك الشّرائع.
واختلفوا في مدّة الفترة بين عيسى ومحمّد ـ عليهما الصلاة والسلام ـ قال أبو عثمان النهدي (٦) : ستمائة سنة ، وقال قتادة : خمسمائة سنة وستّون (٧) سنة ، وقال معمر والكلبيّ : خمسمائة سنة وأربعون سنة (٨).
__________________
(١) في أ : يبذل.
(٢) في الآية ١٥ من المائدة.
(٣) في أ : بحكم.
(٤) في أ : فقدر.
(٥) ذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (١١ / ١٥٢) عن ابن عباس.
(٦) في ب : المهدوي.
(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٠٨) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٧٧) وزاد نسبته لعبد الرزاق وعبد بن حميد من طريق معمر عن قتادة.
(٨) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٤٧) قال : قال معمر : قال الكلبي. فذكره.