بل إنّ توهّم كون هذه الأقسام مخترعة من علماء الدراية المتأخّرين ممتنع في نفسه ، إذ كيف يستحدثون ما لا وجود له ، إذ المفروض أنّ التمييز بين أقسام الرواة والروايات هو بلحاظ الأحوال والصفات ، وهي إنّما وصلت إليهم من المتقدّمين فلا بدّ من فرض تمييز المتقدّمين أوّلاً ثمّ مواضعة المتقدّمين لأسماء تلك الأقسام المتميّزة ، وبعبارة أخرى إنّ المتأخّر يُصنّف الأقسام بلحاظ ما ذكره المتقدّم من صفات وأحوال الرواة ومرويّاتهم.
وحرص المتقدّم على ذكر الصفات والأحوال المتقدّمة دالّ على دخالتها عندهم في درجة حجّية الرواية.
كما أنّه يظهر ممّا تقدّم أنّ الاقتصار في البحث الاستدلالي بالروايات لا يكتفى فيه بقصر النظر على الأقسام الأربعة في التقسيم الأوّل ، بل لا بدّ من ملاحظة تمام أقسام التقسيم الأوّل ، كما لا بدّ من ملاحظة التقسيمات الأخرى وأقسامها بعد كون حجّية واعتبار الخبر لا تتمّ إلّا بعد تأمين الجهات الأربعة ، أي أمانة الراوي في اللهجة ، وخبرويّته في النقل ، وسلامة مضمون حديثه وصحّته ، ونقاءه عن صفات الوهن الطارئة ولذلك نرى مراعاة هذه الجهات الأربع في التقسيمات الأربعة في الروايات العلاجيّة لتعارض الأخبار ، كمقبولة أو صحيحة عمر بن حنظلة ومرسلة زرارة وغيرها من الروايات العلاجية ، حيث لوحظ فيها المفاضلة بين الحديثين المتعارضين ، تارة بلحاظ صفات الراوي من جهة أمانته وأخرى خبرويّته أو صفات الحديث بلحاظ مضمونه أو ما يطرأ عليه.
وبالجملة عدم مراعاة تلك الجهات والأقسام يُسبب ضياع كثير من الأحاديث وعدم ابتناء العمل بالحديث على الأصول الفنّية للاعتبار.
ثمّ إنّ هذه الغفلة عن هذه التقسيمات العديدة لدى القدماء سبّب الوقوع