فربّما كان شيء عند بعضهم فاسداً أو كفراً غلوّاً أو تفويضاً أو جبراً أو تشبيهاً ، أو غير ذلك ، وكان عند آخر ممّا يجب اعتقاده ، أو لا هذا ولا ذاك ، وربّما كان منشأ جرحهم بالأمور المذكورة وجدان الرواية الظاهرة فيها منهم ، كما أشرنا آنفاً ، وادعاء أرباب المذاهب كونه منهم أو روايتهم عنه ، وربّما كان المنشأ روايتهم المناكير عنه ، إلى غير ذلك ، فعلى هذا ربما يحصل التأمّل في جرحهم بأمثال الأمور المذكورة وممّا ينبّه على ما ذكرنا ملاحظة ما سيذكر في تراجم كثيرة ، ثمّ ذكر مجموعة كبيرة من الرواة ممّن طعن عليهم بالغلوّ ، ورتّب على ذلك ضعف تضعيفات الغضائري ، وتضعيفات أحمد بن محمّد بن عيسى.
ثمّ قال : «اعلم أنّه ـ يعني أحمد بن محمّد بن عيسى ـ والغضائري ربما ينسبان الراوي إلى الكذب ، ووضع الحديث أيضاً ، بعد ما نسباه إلى الغلوّ ، وكأنّه لروايته ما يدلّ عليه ، ولا يخفى ما فيه ، وربما كان غيرهما أيضاً كذلك فتأمّل» (١).
أقول : ويشهد له ما قاله الصدوق في الفقيه ، بعد روايته لما روته العامّة من فوت صلاة الفجر على رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ثمّ إسهائه في الصلاة ، قال : «إنّ الغلاة والمفوّضة ـ لعنهم الله ـ ينكرون سهو النبي صلىاللهعليهوآله ، ويقولون لو جاز أن يسهو عليهالسلام في الصلاة لجاز أن يسهو في التبليغ ، لأنّ الصلاة عليه فريضة ، كما أنّ التبليغ عليه فريضة ، وهذا لا يلزمنا وذلك لأنّ جميع الأحوال المشتركة يقع على النبي صلىاللهعليهوآله فيها ما يقع على غيره ، وهو متعبّد في الصلاة كغيره ممّن ليس بنبي ، وليس كلّ من سواه بنبي كهو ، فالحالة التي اختصّ بها هي النبوّة ، والتبليغ من شرائطها ، ولا يجوز أن يقع عليه في التبليغ ما يقع عليه في الصلاة ، لأنّها عبادة مخصوصة
__________________
(١) الفوائد الرجاليّة / الوحيد البهبهاني : الفائدة الثانية.