أقول : في هذا الإيراد نظر ، حيث أنّ مراد القائلين بكاسريّة الشهرة أو جابريّتها ليست حجّية الشهرة المستقلّة ولا حجّيتها كبروياً ، بل مرادهم تحقيق الشهرة لصغرى الخبر الموثوق به أي صغرى لحجّية أخرى ، هذا في الجبر. أو ممانعتها لتحقّق تلك الصغرى في صورة الكسر ، وقد وقعت الغفلة عن ذلك عند كثير من متأخّري هذا العصر ، وقد حرّرناها مفصّلاً في علم الأصول وانّها من باب تراكم الاحتمالات وتزايدها تكويناً أو تضاؤلها ، نعم شهرة الطبقات المتأخّرة لا تاثير لها كبروياً ولا صغروياً في الجبر والكسر ، لأنّها في الغالب مبنيّة على نكات اجتهاديّة حدسيّة فلا بدّ أن ينظر إلى تلك النكتة نفسها.
ثانياً : منع تحقّق الشهرة في كلّ موارد الروايات ، وهذا بيّن للمتصفّح لأبواب الفقه ، حيث إنّ كثيراً من المسائل تكثّر الأقوال فيها من دون وجود شهرة لأحدها ، أو لا شهرة عملية أو روائية فيها لقلّة النصوص ، كما أنّ بعض المسائل غير معنونة عند جميع القدماء ، بل عند بعضهم فقط بنحو لا يكوّن الشهرة عندهم ، كما أنّ كثيراً من الفروع المنصوص عليها لم يعنونها القدماء ، بل عنونها من تأخّر عنهم مع كون النصوص في تلك المسائل محدودة بطريق واحد أو طريقين ، كما أنّ هناك نمط آخر من المسائل وقع الشجار فيها بين المحدّثين والمتقدّمين ، واختلافهم في تضعيف الطرق حيث انّ بعضهم يصحّح بعض الطرق دون الطرق الاخرى ، وترى جماعة منهم يعكس الأمر تماماً ، كما أنّ هناك نمط رابع من المسائل وهي التي يمكن تخريج الحكم فيها على مقتضى فذلكات صناعية ، بحيث لا يحرز استنادهم الى النصّ الخاصّ الوارد في تلك المسألة ، وغير ذلك من أنماط وطبيعة الاستدلال في أبواب الفقه ، مما يجدها المتتبّع ممّا لا يكمن تحصيل الشهرة بأقسامها فيها.