ثالثاً : إنّه من البيّن وجود التعارض الروائي في أكثر الأبواب الفقهية ، وعلاج ذلك بالترجيح فيها بصفات الراوي لا يمكن إلّا بعد معرفة علم الرجال كما لا يخفى ، بل إنّ الترجيح في جهة الصدور أو المضمون يعتمد كثيراً ما على علم الرجال أيضاً ، ولا يكفي فيه الفقه المقارن والرجوع إلى الكتب الفقهية من أبناء العامّة ، حيث إنّ تحديد الجوّ العلمي والرأي السائد للوسط العلمي للمخالفين حين صدور الرواية لا يتحدّد بالدقّة إلّا بعد التعرّف على حياة الرواة العلمية ، وكذا التعرّف على مذاهب الفرق الشيعية الاخرى كالفطحيّة والواقفيّة والناووسيّة ، أو معرفة مدى تأثّر الراوي أو انتمائه لهم ، كلّ ذلك لا يتمّ إلّا بعد مراجعة علم الرجال ، كما إنّ تحديد درجات أجوبتهم عليهمالسلام بلحاظ إختلاف مستويات الرواة تقبّلاً أو اهتماماً أو تضلّعاً ، بل قد قال عدّة من المحقّقين إنّ معرفة نوع درجة المخاطب مؤثّرة في دلالة وظهور الجواب. ومن ذلك يتبيّن أنّ لعلم الرجال فائدة غير هيّنة في باب الدلالة وجهة الصدور ، وإن لم يُنبِّه على ذلك مَن تعرّض لبيان ضرورة علم الرجال ، ولا سيما في باب روايات المعارف الاعتقاديّة.
رابعاً : إنّه قد تقدّم في معرفة الخبر المتواتر والمستفيض انّه لا يكفي فيه مجرّد الإلمام والإحاطة بالمصادر الروائية ، بل لا بدّ أن ينضمّ إليه الاطّلاع على أحوال الرجال ، ليتمّ التحديد الدقيق لدرجات الضعف والوثاقة في الطرق ومفردات الأسانيد ولتمييز الطرق بعضها عن البعض الآخر.
وبكلمة موجزة إنّ علم الرجال حافظ وصائن للتراث الروائي والسنّة عن الضياع والتلاعب والحذف ، وهذه الفائدة من أعظم فوائد علم الرجال وإن لم يصرّح بها في التعاريف المذكورة لعلم الرجال.