العقل العملي كالتحسين والتقبيح ، وأمّا مدارج الأفعال النازلة فهو لا يصل إلى جهات حسنها وقبحها ، ومن ثمّ احتاج إلى هداية الوحي ، وكأحكام العقل النظري في الملازمات العقلية غير المستقلة الخمسة فقط ، وإن ضممنا إلى ذلك أخيراً في علم الأصول حكم العقل النظري المستقلّ في استكشاف الحكم الشرعي (١) إلّا أنّ دائرته هي أيضاً في الكليات الفوقانيّة الأولى ، وكذا الحال في حصيلة الضرورات المسلّمة بين المتشرّعة.
وبعبارة موجزة : إنّ المتصفّح لدورة استدلاليّة في الفقه يرى أنّ القسم الأوفر منه يعتمد في إثباته على الأخبار ، بل لو سلّمنا دعوى وجود الاستفاضة في أكثر المسائل فإنّ صغرى الاستفاضة الروائية لا يتمّ التوصّل إليها إلّا بعلم الرجال أيضاً ، حيث انّ به يُتعرّف على الدرجة الاحتماليّة المتراكمة المتصاعدة من تكثّر الطرق ، إذ لكلّ طريق درجة احتمالية في الصدور ، والمطابقة للواقع يتمّ تحديدها بمعرفة درجة وثاقة أو ضعف سلسلة السند ومعرفة تعدّد الطرق من اشتراكها.
وبذلك يتّضح إنّ هاتين المقدّمتين لا ينحصر صياغتهما على الحاجة لعلم الرجال في احكام الفروع ، بل تصاغ أيضاً بلحاظ الأحكام الاعتقاديّة والمعارف الدينيّة ، سواء بنينا على حجّية الظن في الجملة فيها في تفاصيل المعارف لا أساسياتها ، فيكون الحال في تلك الدائرة هو الحال في الفروع ، أو لم نبنِ على حجيتها وخصّصنا الحجية بالمتواتر والمتاخم له في باب الاعتقادات مطلقاً ، فإنّ صغرى المتواتر ونحوه أيضاً لا يتوصّل إلى معرفتها إلّا بعلم الرجال ، لما بيّناه آنفاً من أنّ الدرجة الاحتماليّة للخبر لا تُحدّد إلّا به.
__________________
(١). إشارة إلى القاعدة الثانية : «كلّ ما حكم به العقل النظري حكم به الشارع».