بمشاورته » ..
فإن أراد به المشاورة عن حاجة ، فهو ظاهر البطلان ؛ لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أعظم قدرا وأجلّ شأنا من ذلك ؛ كيف؟! وهو مؤيّد بالوحي ، مسدّد بالعصمة.
وإن أراد به المشاورة لا عن حاجة ، فوقوعها في الجملة مسلّم كما أمره عزّ وجلّ بقوله : ( وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ).
ولا ريب أنّ هذه المشاورة المنزّهة عن الحاجة إنّما هي للتأليف ، كما يدلّ عليه نفس الآية الكريمة ، قال تعالى : ( فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ ) لَانْفَضُّوا ( مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ) (١).
فإنّ قوله سبحانه : ( وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا ... لَانْفَضُّوا ) دليل على ضعف إيمانهم ، وأنّه غير ثابت عن صميم القلب.
فلا بدّ أن يكون الأمر بمشاورتهم للتأليف ، مضافا إلى أنّها نازلة في العصاة المنهزمين في أحد (٢) ، ومثلهم يحتاج إلى التأليف.
وقد أخذ الفضل قوله : « لا يقدم ... إلّا بمشاورته » ممّا ورد عندهم من نزول قوله تعالى : ( وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) بأبي بكر وعمر ، كما سبقت روايته قريبا عن الحاكم ، والبيهقي ، والواحدي ، في جهاد أمير المؤمنين عليهالسلام ، من القسم الثاني المتعلّق بالفضائل البدنيّة (٣).
__________________
(١) سورة آل عمران ٣ : ١٥٩.
(٢) انظر : تفسير الفخر الرازي ٩ / ٦٣ و ٧٠.
(٣) راجع الصفحة ٤١٨ من هذا الجزء ، وانظر : المستدرك على الصحيحين ٣ / ٧٤ ح