وأمّا قوله : « كان يبذل ماله في إعانة المسلمين » ..
فيظهر لك ما فيه ممّا ذكرنا.
وقال أبو جعفر ردّا على زعم الجاحظ ، أنّ مال أبي بكر كان أربعين ألف درهم ، فأنفقه في نوائب الإسلام ، كما في « شرح النهج » (١).
قال أبو جعفر : « أخبرونا على أيّ نوائب الإسلام أنفق هذا المال؟! وفي أيّ وجه وضعه؟! فإنّه ليس بجائز أن يخفى ذلك ويدرس حتّى يفوت حفظه ، وينسى ذكره ، وأنتم لم تقفوا على شيء أكثر من عتقه ـ بزعمكم ـ ستّ رقاب ، لا يبلغ ثمنها في ذلك العصر مئة درهم ».
وأمّا ما رواه من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّ من أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله ، أبو بكر ».
فهو بالهزل أشبه! لأنّه إن أريد المنّة على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالإنفاق عليه ، فيبطله روايتهم السابقة امتناع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من أخذ البعير منه إلّا بالثمن (٢).
على أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم غنيّ عنه وعن أمثاله ، وقد تكفّل عليّا عليهالسلام في حياة عمّة شيخ البطحاء ، وطما (٣) فضله على المسلمين عامّة بعد الهجرة (٤).
__________________
٤٤٣٦ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ١٠ / ١٠٨ ـ ١٠٩ ، الوسيط ١ / ٥١٢ ـ ٥١٣ ، تفسير الفخر الرازي ٩ / ٧٠ ، الدرّ المنثور ٢ / ٣٥٩.
(١) ص ٢٧٤ من المجلّد الثالث [ ١٣ / ٢٧٣ و ٢٧٤ ]. منه قدسسره.
(٢) راجع ما تقدّم آنفا في الصفحة ٥٣٢.
(٣) طمى الماء يطمي طميا ، وطما يطمو طموّا : علا وارتفع ، وطمست به همّته : أي علت به ؛ انظر : تاج العروس ١٩ / ٦٤٢ مادّتي « طمى » و « طمو ».
(٤) انظر : تفسير الفخر الرازي ٣١ / ٢٠٥ ، السيرة الحلبية ١ / ٤٣٢.