وأقول :
قد عرفت أنّ الكلام ـ في هذا ونحوه ـ في الأفضليّة ، فإن أقرّ به الفضل ، فهو المراد ، وإلّا فليأت بشبهة.
وكيف يقاس بمن جاد بنفسه في جميع مواقف الزحام ، من بخل بها في كلّ مقام ، وفرّ مرارا عن سيّد الأنام (١)؟!
أو يقاس بمن سخا بجميع ماله على الأباعد ، من ضنّ ببعضه على الأقارب ، وحمل يوم الهجرة ماله كلّه وترك بلا قوت أهله (٢)؟!
وهل يلحق من آثر على نفسه ولم يعزّ عليه قوته ، من كانت في أموال المسلمين نهمته حتّى كبت به بطنته (٣).
* * *
__________________
(١) إشارة إلى الشيخين وأغلب الصحابة ، حين فرّوا من الزحف ، كيوم أحد وخيبر وحنين ؛ راجع : ج ٥ / ٥٧ ه ١ وص ٧٧ ه ١ وص ٨٢ من هذا الكتاب ، وص ٨٩ وما بعدها من هذا الجزء.
(٢) إشارة إلى أبي بكر ، الذي احتمل ماله كلّه ولم يترك لعياله منه شيئا ؛ انظر : البداية والنهاية ٣ / ١٤١ ـ ١٤٢.
(٣) إشارة إلى عثمان بن عفّان ، فقد وصفه أمير المؤمنين عليهالسلام في الخطبة الشقشقية بقوله : « إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه ، بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع ، إلى أن انتكث عليه فتله ، وأجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته ».
انظر : نهج البلاغة : ٤٩ الخطبة ٣.