فأجابوه إلى ذلك فخرجوا حتى غشوا القوم ، فأحاطوا بهم في رحالهم ، فلما رأوهم أخذوا السيوف ، ثم قاتلوهم حتى قتلوا عن آخرهم ، إلا كعب بن زيد أخا بني دينار بن النجار ، فإنهم تركوه وبه رمق ، فارتث (١) من بين القتلى ، فعاش حتى قتل يوم الخندق.
وكان في سرح القوم عمرو بن أمية الضمري ، ورجل (٢) من الأنصار أحد بني عمرو بن عوف ، فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم على العسكر ، فقالا : والله إن لهذه الطير لشأنا ، فأقبلا لينظرا إليه ، فإذا القوم في دمائهم ، وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة.
فقال الأنصاري لعمرو بن أمية : ماذا ترى؟
قال : أرى أن تلحق برسول الله «صلى الله عليه وآله» فتخبره الخبر ، فقال الأنصاري : لكني ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو ، وما كنت لتخبرني عنه الرجال. ثم قاتل القوم حتى قتل.
وأخذوا عمرو بن أمية أسيرا ، فلما أخبرهم أنه من مضر ، أطلقه عامر بن الطفيل ، وجز ناصيته ، وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه.
فخرج عمرو بن أمية حتى إذا كان بالقرقرة من صدر قناة ، أقبل رجلان من بني عامر حتى نزلا معه في ظل هو فيه ؛ وكان مع العامريين عقد من رسول الله «صلى الله عليه وآله» وجوار لم يعلم به عمرو بن أمية ، وقد سألهما حين نزلا : ممن أنتما؟
__________________
(١) ارتث : أي وقع وبه جراح.
(٢) قال ابن هشام : «هو المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح».