فأخذوا أسيافهم ليقاتلوهم ، فقالوا لهم : إنا والله ما نريد قتلكم ، ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة ، ولكم عهد الله وميثاقه : أن لا نقتلكم.
فأما مرثد بن أبي مرثد ، وخالد بن البكير ، وعاصم بن ثابت ، فقالوا : والله ، لا نقبل من مشرك عهدا ، ولا عقدا أبدا.
ثم ارتجز عاصم أبياتا ذكرها ابن هشام في السيرة ، ثم قاتل القوم حتى قتل ، وقتل صاحباه.
فأرادت هذيل أخذ رأس عاصم ، ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد ، وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم أحد : لئن قدرت على رأس عاصم ، لتشر بن في قحفه الخمر ، فمنعته الدبر ـ أي الزنابير والنحل ـ فقالوا : دعوه حتى يمسي فتذهب عنه ، فنأخذه ، فبعث الله سيلا ، فاحتمل عاصما ، فذهب به.
وكان عاصم قد أعطى الله عهدا : أن لا يمسه مشرك ، ولا يمس مشركا أبدا ، تنجسا ، فكان عمر بن الخطاب يقول حين بلغه أن الدّبر منعته : يحفظ الله العبد المؤمن ، كان عاصم نذر أن لا يمسه مشرك ، ولا يمس مشركا أبدا في حياته ، فمنعه الله بعد وفاته ، كما امتنع منه في حياته.
وأما زيد بن الدثنة ، وخبيب بن عدي ، وعبد الله بن طارق ، فلانوا ورقوا ، ورغبوا في الحياة ، فأعطوا أيديهم ، فأسروهم ، ثم خرجوا بهم إلى مكة ، ليبيعوهم بها حتى إذا كانوا بالظهران ـ واد قرب مكة ـ انتزع عبد الله بن طارق يده من الحبل الذي كان قد ربط به ، ثم أخذ سيفه ، واستأخر عنه القوم ، فرموه بالحجارة حتى قتلوه ، فقبره ـ «رحمه الله» ـ بالظهران.