حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ)(١).
إننا إذا راجعنا هذه الآيات ، وتأملناها ، فلسوف نجد فيها الكثير من الحقائق الهامة ، والمطالب العالية ، التي يهم الإنسان المسلم الوقوف عليها ، والتعرف إليها ، وبما أن المجال لا يتسع لطرح كل ما نجده ـ بفهمنا القاصر ـ في ثنايا هذه الآيات ، فلسوف نقتصر على الإلماح العابر لأمرين فقط ، لربما نجد فيهما بعض الصلة فيما نحن بصدده ، وهذان الأمران هما :
الأول : إننا نلاحظ : أن بعض الأمور تبدو لنا صغيرة وثانوية ، وغير ذات أهمية كالحض على طعام المسكين ، ثم إننا إذا رجعنا إلى القرآن الكريم نجده قد أولاها المزيد من العناية ، واهتم بها اهتماما بالغا ، فنزلت بخصوصها الآيات الكثيرة ، ذات الطابع القوي ، والعنيف ، والمركز ، مع إظهار : أن النبي «صلى الله عليه وآله» ، الذي يتصرف من موقع الوالد الرحيم لكل أحد ، والذي تذهب نفسه حسرات ، من أجل هداية الناس ، وإبعادهم عن مزالق الشر والجريمة ـ هذا كله عدا عن موقعه «صلى الله عليه وآله» كقائد مشرع وحكيم ـ نعم إن هذا النبي يهتم ، ويغتم ، ويحزن كثيرا لأجل هذه الأمور بالذات.
ولعل ذلك يرجع إلى أن هذا الذي رأيناه ثانويا ، وغير ذي أهمية ، بنظرنا القاصر ، إنما يكشف عن خلفيات مرعبة ، وبواعث ومنطلقات خطيرة ، من شأنها أن تقوض كل بناء وتنسف كل جهد ، وتحبط كل مسعى في سبيل إقامة صرح العدل ، وتثبيت الحق وترسيخه.
ولتصبح من ثم كل تلك الجهود ، وهاتيك المنجزات مجرد ظواهر ومظاهر
__________________
(١) الآيات ٤١ ـ ٤٣ من سورة المائدة.