إلى من هم في خدمته ، مهيبا وقورا نير الشيبة ملازما للطيلسان ، كما كان شأن الإمام الهمام كمال الدين بن الهمام الحنفي ، كثير التواضع ، سخا ببيته لرجلين من أهل العلم ولم يكلفهما إذ سكنا بمنزله الدرهم الفرد ، وفرق كتبه قبل أن يموت بسنين على أهل العلم ، ففرقها على جمع منهم شيئا فشيئا إلا نادرا منها. ولم تزل الأكابر تهرع إلى منزله وهو المنزل الذي أسكنه به تلميذه الأمير الفاضل يحيى الحمزاوي منذ هاجر من حلب إلى مكة عند انقضاء الدولة الجركسية فوق ما كان يحسن إليه من العطايا المالية ، وكذا أخوه الأمير جانم حتى أسكنه بمنزله القديم الذي جدده.
وكان للشيخ شمس الدين قوة ذكاء ومزيد حفظ ورسوخ قدم في العقليات والعربية ، غير أنه لم يكن له حظ من حسن الخط بل كان يكتب خطا غريبا على طريقة لا يقدر أحد أن يقرأها إلا الأفراد من الناس الذين ألفوها فعرفوها. وكذا صارت مؤلفاته ومسوداته شذر مذر في أيدي المجلدين من بعد موته.
وكان يلتزم في الجمع والأعياد آخر الصف الأول من طرف الغرب بمقصورة الجامع الأموي بحلب التي كان يصلي بها من كان كافل حلب في الدولة الجركسية ، وبقيت على هذا الدولة الرومية.
وأصابه مرة فالج قوي فعوفي منه ، ثم مات بحلب بعد أن كان حج وجاور ودخل القاهرة. وكانت وفاته بها سنة سبع وخمسين وتسعمائة ، ودفن بمقابر الحجاج بعد أن أوصى أن يغسله شافعي ويصلي عليه شافعي ، وقيل وأن يصلي عليه الشافعية وهو في قبره ، وكذا أوصى أن يلقن في قبره وفاقا لهم ولبعض علمائنا الحنفية على ما صححناه وأوضحناه في رسالتنا المسماة «بذخيرة الممات في القول بتلقين من مات» ، وكانت قد عرضت عليه رحمهالله تعالى.
* * *