وتولى بهمته نظر الأوقاف بحلب عموما ونظر الحرمين الشريفين بها والبيمارستان النوري بحماة والأرغوني بحلب خصوصا ، والتزم بتحصيل الحصص السلطانية فيما فيه للحرمين الشريفين حصص أخرى. فلما قدم عيسى باشا بكلربكي المملكة الدمشقية حلب مفتشا على ما بها من المظالم قيل له إن عليه ما ينوف عن عشر كرات ، فاستنطق ملا علاء الدين كاتب الحرمين الشريفين ، فكتب له دفترا بذلك ، فتتبع البدري فلم يظفر به مدة تفتيشه ، فقبض على جابيه النظام ابن الحاضري واستنطقه فلم يقر بشيء ، فلما تم أمر التفتيش ولم يظفر البدري وعاد إلى دمشق صحبه معه حافيا مكشوف الرأس إلى حماة ، ثم أطلقه بشفاعة حصلت فيه ، وبقي عنده حقد زائد بحيث لو ظفر بالبدري سمه كما هو عادته. وصار البدري في وجل قد عظم وجلّ ، إلى أن لاح بدره وظهر ، فقبض عليه واحد من أعوانه بحلب واستولى عليه في منزل هو نازل به ، فاحتال عليه كافل حلب ، وكان يحب البدري ، وصنع له ضيافة ، فلما جاء بعث إليه أعوانه إلى منزله فاختطفوا البدري وأخفوه ، فقوي حقد عيسى باشا عليه فوق ما كان وصار يقول كلما تحرك عليه نقرسه : هذا كله من نصيبي زاده.
ثم أرسل البدري حسن شقيقه البدري حسينا شاكيا على عيسى باشا ، فاشتكى عليه بالديوان العالي فأغلظ له القول أفلاق (١) مصطفى الوزير الرابع يومئذ اعتناء بعيسى باشا ، فأخرج له البدري حسين عرضا كان قد رقمه للبدري حسن وهو بكلربكي المملكة الدمشقية قبل عيسى باشا ، ومن مضمونه تربيته والثناء عليه ، فكذبه به ، فهان أمره وبقيت خشيته في قلب البدري الحسن ، ثم آل الأمر إلى أن توفي أفلاق وأقدم البدري حسن لما رآه من الرأي الحسن على إزالة ما في خاطر عيسى باشا بأن يمثل بين يديه ملقيا سلاحه مسلما إليه قياده ، ففعل ، ولكن قصد أن يسقيه شرابا أو يضيفه ، فامتنع خشية أن يسمه ، ثم عاد من عنده سليما بإذن الله تعالى ، ثم سعد بوفاته عن قتله وصار ناظر الأموال السلطانية بحلب ، فهابه الأمناء والكتاب والعمال لمزيد وقوفه على أمور الديوان والدفتر داري واطلاعه عن الكتيمات والبلعيات ، فاتسع مجاله وكثر الوافدون ببابه وخفي ما كان عليه من الأموال السلطانية ، إلى أن ولي الدفتر دارية إسكندر بك فأظهر ما خفي بمعونة أهل ديوانه وتقويته إياهم عليه لما عندهم من العداوة الباطنة له ، وأخذ منه نحو ثمانية آلاف دينار سلطاني وصدمه
__________________
(١) أثبتها في طبعة در الحبب : أفلاقي.