ثم أكب على إفادة الوافدين إليه والواردين عليه من طالبي العربية والنحو والقراءات والفقه وأصوله والحديث وعلومه والتفسير وغير ذلك على وجه لم يرد أحدا ولا كسر قلب بليد لا يفهم أبدا.
وكنت ممن أخذ عنه عدة فنون ولله الحمد والمنة إلى أن أجاز لي جميع ما يجوز له وعنه روايته إجازة مفصلة بخطه في شوال سنة ثمان وأربعين.
ثم لما برع في العلوم الدينية هرع إليه السواد الأعظم إذ كانت له اليد البيضاء فيها في أمر الاستفتاء ، فأجاب وأفتى ولم يبخل على مستفت بالإفتا ، ولا صد ولا رد ولا تناول منه الدرهم الفرد ، بل كف عن هذا الأرب وفاقا لمعظم المفتين من أبناء العرب.
وانتهت إليه رياسة الشافعية بحلب إفتاء وتدريسا بجامعها الأعظم وعصرونيتها التي انفردت من بين سائر مدارسها في آخر وقت بأن فيها من الفقهاء والمتفقهة ذوي المعاليم المقررة على وقفها نحو العشرين ، ومن المعيدين اثنين. على أنه كان بها في زمن والده وهو معيدها من الفريق الأول واحد وستون ومن الثاني أربعة كما أخبرني بذلك من أثق به.
وكان رحمهالله تعالى قد عبث مرة بحل زايرجة السبتي ، فحل منها شيئا ما ، وعلق بالكيمياء أياما ثم تركها.
ولم تكن تراه إلا دمث الأخلاق متبسما حالة التلاقي حليما لدى الإيذاء صبورا على الأذى صوفيا معتقدا لكل صوفي ، له مزيد اعتقاد في الشيخ الزاهد محمد الخاتوني الماضي ذكره ، ولذا صار من بعده يحيي بالعصرونية كل ليلة جمعة ذكر الله تعالى على نهج ما كان عليه معتقده من إحيائها ، إلى أن توفي يوم الجمعة في شهر رمضان سنة أربع وخمسين ودفن وراء المقام الإبراهيمي خارج باب المقام في تتمة مقبرة الصالحين رحمهالله تعالى وإيانا ، حتى رثاه الشيخ أبو بكر العطار الجلّومي فقال :
أضحى العمادي للمقام مجاورا |
|
ومقامه عند الإله عظيم |
فاقصد زيارته تنل كل المنى |
|
فضريحه في الصالحين مقيم |
وإذا وصلت إلى الضريح فقل له |
|
هذا المقام وأنت إبراهيم |
ومدحه في حياته الزين الشماع أحد شيوخه بالإجازة وقد أهدى إليه منظومته الموسومة «باللمعة النورانية في تخميس السهيلية» فقال :