إليهم. واستخار الله تعالى في قراءة البخاري والشفا فأخذ في القراءة فيها علينا أياما ، وكنا نخاطبه في أثناء التقرير بمثل أفندي وسلطانم ، فذكر لبعض من كان بمجلس درسه أنه لا يطيب ذلك على خاطري ، وأمر بتركه في مثل ذلك المقام العلمي.
وطالما كان ينوي النظر في حال الأوقاف بنور الله تعالى ، حتى بلغه أن متولي الفردوس بحلب بل مدرسه باع من حجارته جانبا ، فركب إلى الفردوس وأمسك المشتري وشدد عليه وخلص ما استولى عليه من الحجارة إذ لم يأمن النار التي وقودها الناس والحجارة. وعمل في البيمارستان النوري بنور الله تعالى حيث فتش على متوليه فأخرج عليه أكثر من مائة دينار سلطاني مع ما في البيمارستان من المواضع الخربة ، ثم أمر بعمارتها من ذلك المال.
ولم يزل على فعل الخيرات إلى أن مات مطعونا سنة تسع وأربعين ، وتأسف عليه الحلبيون خاصهم وعامهم ، وأقفلت الأسواق للصلاة عليه وأطبق الناس على الترحم عليه. وكان قد سئل قبيل الموت هل ننقلك إلى دمشق أو ندفنك بحلب؟ فقال : أبقوني بحلب فإن أهلها يحبونني. وأخبر قبيل الوفاة أن عليه صلوات خمسة أيام ، فطلب الماء فتوضأ ، ثم كان في أثناء ذلك انتقاله إلى رحمة الله تعالى ، ثم كان دفنه بجوار باب السفيري في قطعة أرض كان الشيخ شمس الدين محمد السفيري الشافعي قد أعدها لدفنه ، فأبى الله إلا أن يكون هو المدفون بها.
قال الشيخ شمس الدين : ولقد رأيته في المنام وهو جالس تجاه القبلة حيث كنت أجلس من الحجرة التي بالعلمية بالقرب من منزل سكني ، فلما أقبلت عليه نهض قائما وأخذ يبتسم كأنه يستعطف خاطري من جهة دفنه فيها دوني.
ومن عجيب الاتفاق أني قلت للشيخ مصلح الدين القريمي وكلانا واقفان على قبره يوم دفنه : ما أدراكم لعله يتناقص الطاعون بموته أو ينقطع ، فاتفق أن تناقص من ثاني يوم وهلم جرا.
واتفق له يوما ونحن معه في مذاكرة البخاري أن قال : إنا نريد أن نقرأ في البخاري إلى كتاب الإيمان ، فلم تمتد قراءته إلا إليه ثم انتقل إلى رحمة الله تعالى.
وسئلنا في أبيات تكتب على لوحي قبره فعملناها غير أنها لم تكتب عليها ، فمنها لأحدهما :